ترمب وهاريس يريدان زيادة الابتكار في العملات المشفرة .. يا للهول!
مرشحا الرئاسة الأمريكية يمتدحان ابتكار الأصول المشفرة في نفس السياق مع الذكاء الاصطناعي قبل أسابيع من الانتخابات
يتودد كل من دونالد ترمب وكامالا هاريس إلى جمهور العملات المشفرة قبل أسابيع قليلة فقط من إجراء الانتخابات في الولايات المتحدة، في سباق يكتسب كل دولار فيه وكل صوت أهميته. لا يحدث ذلك طبعاً بالدرجة نفسها بالضبط، فمن المتوقع أن يسعى ترمب بشكل حثيث للترويج لمشاريع رموز غير قابلة للاستبدال (NFT) مبالغ فيها ومنصة إقراض مشفرة ذات صلات مشبوهة. لكن سماع كلا المرشحين يمدحان "الابتكار" في الأصول الرقمية، وذكره في السياق نفسه مع الذكاء الاصطناعي يتطلب قدراً من الاجتراء، أو ذاكرة محدودة للغاية.
لماذا يشترون العملات المشفرة؟
لا شك أن اختراع العملات الافتراضية التي تعمل خارج النظام المصرفي، كان له تأثير كبير على بعض الأشخاص، ليس أقلهم 110,591 من حاملي محافظ "بيتكوين" الذين يمتلكون أكثر من مليون دولار من هذه العملة. لكن بالنسبة لمعظمنا، فإن هذه العملات لا تشبه الإنترنت الجديد، فهي سهلة التجاهل وخطرة الاستخدام. وفقاً للبنك المركزي الأوروبي، في 2022، كان ما بين 2% و8% فقط من الأوروبيين يملكون العملات المشفرة، وحتى هؤلاء لم يستخدموها لشراء احتياجاتهم اليومية مثل البقالة. استخدام العملات المشفرة كان في معظمه من أجل "الاستثمار"، ما يشير إلى أن هذه العملات المتقلبة التي تفتقر إلى قيمة حقيقية، ليست بديلاً حقيقياً عن النقد. الدول مثل البرازيل تقدم روايات مشابهة.
سوق أخرى للمضاربة
كالاستثمار، يمكن القول إن العملات المشفرة أقرب إلى "ناسداك" منها إلى "الذهب الرقمي". ففي 2021، نمت قيمة سوق العملات المشفرة 300% لتصل إلى 2.5 تريليون يورو (2.8 تريليون دولار)، لكنها تراجعت إلى النصف في 2022 بعد انهيار سوق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والعملات المستقرة غير الموثوقة، والمشتقات المالية، في مشهد أشبه بالأزمات المصرفية التقليدية. انتعشت أسعار "بيتكوين" منذ ذلك الحين، وزادت 45% هذا العام، لكن ما غيّر اللعبة هي الموافقة على صناديق التداول المباشر للأصول المشفرة في الولايات المتحدة، إضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة. وقال مدير المحفظة الاستثمارية ستيف إيسمان في برنامج "أود لوتس" الذي أُذيع في أبريل الماضي: إن "العملات المشفرة مجرد وسيلة أخرى للمضاربة، لأن الناس يحبون المضاربة". يجب أن يعرف ترمب هذا الأمر، هو وأفراد عائلته يروجون لمنصة إقراض مشفرة شديدة المضاربة، تربطها علاقات بمشاريع فاشلة سابقة، ويفتقر هذا المشروع إلى الشفافية، ما أثار عديدا من المخاوف.
فتور الحماس لسلاسل الكتل
إضافة إلى ذلك، فإن تعدين "بيتكوين" يستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتتابع إفلاس الشركات الكبرى المرتبطة بهذا المجال، مع انتشار الاحتيالات التي بلغت خسائرها المعلنة 5.6 مليار دولار في 2023. ويبدو أننا لا نزال بعيدين عن التشبيه الذي طرحه ترمب بمقارنة العملات المشفرة باختراعات مثل: المصباح الكهربائي، والطائرات، أو الذكاء الاصطناعي. حتى "بلوكتشين" (التكنولوجيا التي تقوم عليها العملات المشفرة) لم تعد تبدو واعدة كما كانت في السابق. فقد صرح رئيس شركة ""Wise المختصة في التكنولوجيا المالية أخيرا، بأنها "تستخدم بشكل كبير" الخوارزميات المعتمدة على التعلم الآلي، لكنه وصف "بلوك تشين" بأنها تكنولوجيا لا حاجة لها لنقل الأموال بسرعة وبتكلفة منخفضة حول العالم. ومن المفارقات أن البنوك التقليدية مثل "جي بي مورجان تشيس" لا تزال الأكثر حماسة لتجارب "بلوكتشين".
لماذا إذن نهتم بالترويج لـ"ابتكار" العملات الرقمية؟ إحدى الإجابات هي القواعد التنظيمية، فهذا القطاع مدفوع إلى ممارسة الضغوط للحد من الأخطار السياسية التي تهدد أرباحه.
إن المعركة القانونية الحالية التي تخوضها بورصة ""Coinbase Global ضد "هيئة الأوراق المالية والبورصات" (الأمريكية) تتعلق بإيرادات 30% حسب التقديرات. ومن اللافت للنظر أن أبرز من قامت هذه البورصة بتوظيفه لديها هذا العام هو جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني السابق. وهناك ما يقدر بنحو 200 مسؤول حكومي سابق يعملون في هذا القطاع كمستثمرين أو في جماعات الضغط. فإذا كان ممكناً إقناع السياسيين بأن العقول العظيمة في مجال العملات المشفرة تهرب إلى الخارج بسبب هيئة الأوراق المالية والبورصات التي لا ترحب بهم، فهذه خطوة في الطريق نحو تخفيف القواعد التنظيمية والرقابية. وتحقيق مكاسب هائلة محتملة لن تتطلب الابتكار.
العملات المشفرة تحتاج لسردية جديدة لجذب المستثمرين
السبب الآخر هو البحث عن السردية التالية الكبرى التي ستجذب مزيدا من الأموال إلى سوق العملات المشفرة. عندما لا يكون هناك شيء فعلي يدعم أصول مثل "بيتكوين"، تكون القصة هي العامل الأهم.
تقول ماريون لابور، كبيرة الإستراتيجيين في "دويتشه بنك": إن "بيتكوين" تشبه الألماس، الذي لم يكن له مكانة كبيرة أو سعر مرتفع قبل قرن من الزمان، حتى اكتشفت شركة ""(De Beers) الإستراتيجية التسويقية المناسبة التي ربطت الرومانسية بالأحجار على خاتم الزواج. هذا الجمع بين القواعد التنظيمية المتساهلة والسياسة النقدية التيسيرية واللغة المناسبة المتعلقة بالابتكار –وربما حتى شيء يخلط بين الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة– قد يحفز روح القطيع للإقدام على المخاطرة، إذا لم تعد النداءات اليائسة للاحتفاظ بـ"بيتكوين" فعالة.
وكل هذا يجعل السياسيون والجمهور بحاجة إلى مزيد من الحذر. وقد كانت "هاريس" واضحة في إشارتها إلى أن المستهلكين والمستثمرين بحاجة إلى الحماية، أما "ترمب"، فيبدو غير مهتم بالإجراءات الوقائية أو بالاستمرارية، بناءً على انخراطه المثير للجدل في العملات المعدنية الفضية ومنصات التواصل الاجتماعي. ومع استمرار البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم في التفكير في رد أكبر على تهديد العملات الرقمية الخاصة -بما في ذلك اليورو الرقمي- يبدو أن الابتكار المالي على وشك أن يصبح أكثر ارتباطاً بالسياسة.
باختصار
المقال يتناول توجه كل من دونالد ترمب وكامالا هاريس نحو استمالة جمهور العملات المشفرة قبل الانتخابات الأمريكية، مع اختلاف النهج بينهما. ترمب يُروج لمشاريع رموز غير قابلة للاستبدال (NFT) ومنصة إقراض مشفرة مثيرة للجدل، بينما تشير هاريس إلى أهمية حماية المستهلكين والمستثمرين. والحجة في هذا أن العملات المشفرة تشهد تقلبات كبرى، فهي غير مستخدمة بشكل واسع في الحياة اليومية وتعد وسيلة للمضاربة. كما أن تعدين "بيتكوين" يستهلك طاقة هائلة ويترافق مع خسائر كبيرة.
والاهتمام السياسي بالعملات الرقمية يرتبط بمحاولة تخفيف القوانين التنظيمية وزيادة المكاسب المالية
.
خاص بـ "بلومبرغ"