الاحتيال في القوائم المالية .. من السبب؟
هم ثلاثة، مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي، والمراجع الخارجي. لا تتم عملية الاحتيال في القوائم المالية ما لم يتفق اثنان منهم على الأقل. فإما أن يتفق مجلس الإدارة (أو بعضهم) مع الرئيس التنفيذي، أو أن يتفق الرئيس التنفيذي مع المراجع الخارجي، أو قد يتفق الثلاثة معا.
الرئيس التنفيذي كجزء لا يتجزأ من عملية الاحتيال في القوائم المالية، وهذا لا شك فيه، فإنه هو من يشرف على العمليات ويعد التقارير المالية عنها، هناك وجه رابع للمشكلة وهو انفراد الرئيس التنفيذي بالاحتيال. لنبدأ بحل المشكلة الرابعة وهي انفراد الرئيس التنفيذي (وفريقه طبعا) بالاحتيال، الحل هنا هو نظام الرقابة الداخلية القوي، وفي شأن المشكلتين الثانية والثالثة وهي تواطؤ المراجع الخارجي مع الرئيس التنفيذي أو مجلس الإدارة فإن حلها هو استقلال مهنة المراجعة الخارجية (كمهنة)، وحل المشكلة الأولى (مجلس الإدارة مع الرئيس التنفيذي) فهي الحوكمة التي تضمن إشراك أصحاب المصلحة في القرار، فإنهم أقدر الناس على حماية مصالحهم. فإذا وقعت حالة احتيال في القوائم المالية للشركات (أو غيرها) فإن في ذلك دليلا على حدوث إحدى هذه المشكلات أو جميعها.
تورط مجلس الإدارة في تحريف القوائم المالية هو أكبر معضلة، ذلك أن مجلس الإدارة هو الذي يضع الأهداف الإستراتيجية وهو الذي يعمل على تحقيقها، ومع ذلك فإن الرقابة في هذه العملية ضعيفة جدا، لا من قبل الجهات المنظمة للأسواق المالية ولا من جهة أصحاب المصلحة، فلا أحد يهتم بالمسألة، بينما كل ما يأتي لاحقا هو نتاج هذه الخطوة الأساسية، فتحديد الأهداف الإستراتيجية للشركة أو (للمنظمة) هو قلب نظام الرقابة الداخلية الذي يتكئ عليه الرئيس التنفيذي والمراجع الخارجي، فإذا كان هذا القلب معطوبا فإن نظام الرقابة الداخلية وتقرير المراجع الخارجي لا معنى لهما من باب أولى، فكيف نراقب أعمال رئيس تنفيذي يعمل لتحقيق أهداف تخدم مصلحة أعضاء مجلس الإدارة فقط، لا شك أن هذا من العبث، فإننا قد نطور نظاما فعالا للمراقبة الداخلية لكنه يراقب تحقيق أهداف احتيالية أصلا، هكذا يتورط الرئيس التنفيذي في مشكلة لم يكن جزءا منها. قد يوافق مجلس الإدارة على عمليات من نوع (مع ذوي العلاقة) وقد يتم إقراض عضو في المجلس وتبرير ذلك بأنه لتحقيق مصالح الشركة، فمن حدد المصلحة ومن راقب على القرار، لا أحد، هنا تظهر لنا مشكلة ممارسات الحوكمة كقوالب، قالب جاهز معد من قبل هيئة السوق المالية، واستبيان تحقق وتبرير، هذه ليست الحوكمة، ولن نتمكن من حل المشكلة الأولى أبدا وستبقى القوائم المالية الاحتيالية واقعا.
المشكلة الثانية تظهر حتى مع وجود مجلس إدارة نزيه جدا، وخطط إستراتيجية معدة لخدمة أصحاب المصلحة وأهداف الشركة فقط، فإن مراقبة أعمال الرئيس التنفيذي وفريقه تعتمد على نظام رقابة داخلية قوي، المشكلة هنا أيضا فيمن يضمن سلامة نظام الرقابة الداخلية من العطب، لقد أثبتت المشكلة المالية التي عصفت بالأسواق في الستينيات من القرن الماضي أن الرقابة الداخلية كمفهوم يدرس بشكل جيد في الجامعات، وكل رئيس تنفيذي يمكنه التحدث عن ذلك، لكن لا أحد يعرف كيف يتم بناؤه، لا أحد يعرف تفاصيله على الحقيقة، لا أحد يجهد نفسه للتأكد من وجوده وتطبيقه.
كل رئيس تنفيذي (في شركة أو في منظمة أيا كان شكلها) لا يكلف نفسه عناء التأكد من تطبيق النظام، بل لا يتأكد أصلا من وجوده. وكأن وجود الشركة أو المنظمة كافيا لوجود نظام الرقابة الداخلية فيها، وهذا خطأ فادح يقع الجميع فيه بلا استثناء، لم أسمع يوما بأن مجلس إدارة أو رئيس منظمة قد بدأ أعماله بفحص نظام الرقابة الداخلية أو تقرير لذلك، تقرير من جهة مستقلة.
ولك أن تتصور كيف يمكن التأكد من أي رقم أو معلومة ولو كانت ببساطة عدد السيارات في المنظمة، إذا كان المجلس لم يفحص نظام الرقابة الداخلية أولا، وكيف تسلم قوائم مالية من الاحتيال في حال كهذه.