الاقتصاد العالمي يمكنه الصمود

المؤشرات كلها تدل على أن الاقتصاد العالمي في طريقه للتعافي. في المرحلة السابقة التي مر بها، حامت الشكوك حول النمو، ولا سيما في ظل اتساع رقعة عدم اليقين بشكل عام، إلى جانب عدة عوامل، قوضت النمو حتى في البلدان التي كان ينظر إليها سابقاً، على أنها المحرك الأول لها النمو. فالمصاعب كانت كبيرة، من أول انفجار جائحة "كورونا"، إلى الارتفاع المخيف للتضخم في كل مكان، فضلاً عن المواجهات التجارية بين اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية، والآثار التي تتركها الخلافات الجيوسياسية، واضطراب خطير في سلاسل التوريد، وغير ذلك من مسببات، جرت الاقتصاد العالمي منطقة شبيهة إلى حد ما بتلك التي كانت سائدة قبل "الكساد الكبير" الذي ساد العالم بدءا من العام 1929.

رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، تعتقد بأن العالم واجه مطلع العقد الحالي أسوأ وباء عالمي منذ عشرينيات القرن الماضي، وأسوأ صراع في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنه دخل في صدمة طاقة هي الأسوأ منذ سبعينيات القرن الماضي. وهذا صحيح تماماً، إلا أن الأدوات المتوافرة حالياً، يمكنها أن تسهم -وقد أسهمت بالفعل- في تقليل الضغوط الراهنة، وفي مقدمتها قدرة البنوك المركزية في البلدان الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي، على سد الفجوات في الأنظمة المالية، وإن كانت بتكاليف عالية. صحيح أنها استطاعت السيطرة على أسعار المستهلكين في غضون عامين فقط، إلا أن هذا أثر بصورة سلبية على مسار النمو. لكن في النهاية تبقى المحافظة على توازن الأسعار أهم من لك النمو الذي لا بد أن يعود مجدداً إلى الميدان.

اللافت، أن الرهان على دعم النمو العالمي في الوقت الراهن، وضع على كاهل الولايات المتحدة، التي أثبتت منذ مطلع العقد، أنها تتمتع باقتصاد قوي مقارنة باقتصادات الدول المتقدمة الأخرى، لكن المشكلة هنا، أن أكبر اقتصاد في العالم يشهد نمواً بطيئاً، حتى إن البعض بدأ يتحدث عن "هبوط ناعم" ما. وبصرف النظر عن لك، أظهر الاقتصاد الأمريكي ثباتاً في الآونة الأخيرة، لا بد أن ينعكس بصورة إيجابية على المشهد الاقتصادي العالمي العام.

في الأيام الماضية، أقدم المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" على خفض للفائدة، وصف بأنه كبير عند 0.5%. وهذه الخطوة التي أتت بعد فترة تعد طويلة من التشديد النقدي، أحدث تحولا جديداً على الساحة الأمريكية، كما أنها خففت الضغوط حتى على الإدارة الأمريكية نفسها، في ظل تحسن قطاع الوظائف، مع تراجع ملموس لمستويات الإعانات الحكومية.

اليوم الأنظار تتجه مع حلول الربع الأخير من هذا العام، نحو نمو الاقتصاد العالمي، الذي تتفاوت التوقعات بصورة طفيفة بنسبته هذا العام. فاقتصادات الدول المتقدمة ستشهد تسارعاً طفيفاً في النمو، مع تباطؤ محدود في الاقتصادات الأسواء الناشئة والنامية. علماً بأن كل التوقعات تجمع على أن التضخم سيواصل التراجع في العامين الجاري والمقبل. وهذه نقطة محورية مهمة، تدفع البنوك المركزية إلى مزيد من التيسير النقدي في الأشهر المقبلة. هذه المؤسسات أخذت بالفعل زمام المبادرة منذ مطلع العقد الحالي، وهي تقوم بدور منهجي من أجل ضمانة أنظمة مالية مرنة، ولكنها في الوقت نفسه محكمة، بعيدة عن الانفلات الذي عادة ما يؤدي إلى أزمات تبقى آثارها لسنوات طويلة.

ولو بلغ النمو العالمي بنهاية العام الجاري 3%، سيشكل ذلك قوة دفع قوية له في الأعوام اللاحقة من هذا العقد. فالاقتصاد العالمي قادر بالفعل على الصمود في وجه التقلبات والمؤثرات السلبية المختلفة، وسيكون أقوى، إذا ما تمكنت الحكومات حول العالم من تعزيز مالياتها في المستقبل، عبر الحد من الديون، أو الاقتراض بضمان مصادر تمويل له.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي