القطاع الخاص وخفض البطالة
لم يكن مفاجئا أن يتباطأ معدل البطالة بين المواطنين إلى 7.1% بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، وهو أدنى مستوى تاريخي للبطالة منذ أول نشر رسمي للمعدل في تاريخ الاقتصاد الوطني، قياسا على محافظة القطاع غير النفطي على وتيرة نموه المطردة طوال الفترة، التي تصاعدت إلى 4.7% للربع نفسه من هذا العام، متضمناً تسارعه للقطاع الخاص للفترة نفسها إلى 4.9%، رغم تباطؤ النمو الحقيقي للاقتصاد الكلي بـ-0.4%. ووفقاً لأحدث مؤشرات أداء القطاع الخاص حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري، فقد أظهرت قدرته على النمو بوظائف العمالة المواطنة بمعدل سنوي وصل إلى 4.1%، مدعوماً بتصاعد وتيرة نموه للفترة نفسها، وتحسّن بيئة الأعمال المحلية بصورة عامة، ما أسهم في مجمله بالوصول بمعدلات أداء في مختلف نشاطات القطاع إلى مستويات مقبولة من النمو والاستقرار، رغم التحديات والأوضاع غير المواتية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خلال الفترة الراهنة، و رغم تباطؤ نمو القطاع النفطي المحلي بالأسعار الحقيقية للفترة نفسها بـ-8.8%.
يمكن التأكيد على ما تحقق من منجزات على مستوى سوق العمل المحلية، يعزى إلى تظافر عديد من العوامل الاقتصادية والمالية الأساسية، يأتي على رأسها التحولات الجوهرية، التي سبق العمل على تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع طوال الـ3 أعوام الماضية فيما يتعلق ببرامج التوطين، أسهمت في مجملها لإضفاء مزيد من المرونة على الخصائص المختلفة للوظائف في سوق العمل، وتركيز تلك البرامج بدرجة أكبر على المزايا وقوة الطلب على الوظائف المتاحة في مختلف النشاطات، ما وفّر إمكانية الإسراع بنمو الوظائف أكثر طلباً من الموارد البشرية المواطنة، ما أدّى إلى ارتفاع إجمالي العمالة المواطنة في القطاع الخاص بنهاية الربع الثاني من العام الجاري إلى أعلى من 2.3 مليون عامل كأعلى مستوى تاريخي يسجله القطاع الخاص من الوظائف المشغولة بعمالة مواطنة.
من جانبٍ آخر، يدفع تسارع وتيرة النمو الاقتصادي للقطاع الخاص إلى إمكانية تحقيق مزيد من المنجزات على طريق خفض البطالة، ورفع إسهامات العمالة المواطنة في سوق العمل المحلية، وإمكانية تجاوز مستهدفات رؤية السعودية 2030 بخفض البطالة إلى 7% بحلول 2030، والوصول به -بمشيئة الله تعالى- إلى أدنى من هذا المستوى في منظور أقل من عامين قادمين على أقل تقدير. وكل هذا يؤكد على أن حزمة المنجزات التنموية الملموسة أعلاه على مستوى سوق العمل المحلية، وعلى مستوى تسارع توظيف الموارد البشرية المواطنة على وجه الخصوص، على أهمية تعزيز برامج ومبادرات التوطين المحلية بمزيد من التقدّم -بمشيئة الله تعالى-، وتزداد أهميتها في ظل الأوضاع غير المواتية التي لا زال الاقتصاد العالمي يرزح تحت ضغوطاتها المتجددة والمتنوعة من حين إلى آخر، والمتوقع ألا تتقلص أخطارها في منظور العامين القادمين على أقل تقدير، وتكاملها مع السياسات الاقتصادية الحصيفة، التي وفّرت كثيرا من الاستقرار والمتانة للاقتصاد الوطني في وجه تلك المتغيرات الخارجية.
وتأتي أهمية هذا الحديث قياسا على عديد من الاعتبارات، في مقدمتها النمو المتصاعد لمخرجات التعليم العالي والفني والعام من الموارد البشرية المواطنة، التي يتطلب توفير مزيد من الوظائف، أمامها جهودا أكبر من كل ما سبق بذله وتسخيره، وأن تندفع منشآت القطاع الخاص بخطى أسرع نحو الاعتماد بدرجة أكبر على الموارد البشرية المواطنة، التي أثبتت كفاءتها ومهاراتها العالية في أهم نشاطات الاقتصاد الوطني، المندفع بدوره نحو مزيد من تنويع قاعدته الإنتاجية تحت مظلة رؤية السعودية 2030.