إمكانية النجاح الأوروبي
على مدى عمودين كتبت عن طبيعة تقرير "دراقي" وعن المعوقات الأوروبية. قوبل التقرير بالترحيب نظرا لتشخيصه لطبيعة التحدي وأيضا ذكر المعوقات لكنه تلقى أيضا نقدا واسعا. تركيز التقرير كان على قطاع التقنية حيث الفجوة مع أمريكا والصين، لكن أيضا يصعب فصل قطاع التقنية عن سبل التمويل وتطور القطاع المالي الدعم وهذا لن يتم دون توحيد سوق الدين وهذا ما تعارضه ألمانيا، كذلك الدور الحكومي في إدارة الاقتصادات الأوروبية عالي مقارنة مع أمريكا لكن التقرير يطالب بدور أعلى لأن أحد أسباب نجاح أمريكا والصين في السياسات التصنيعية وبرامجها الضخمة. فمثلا، أكبر شركات أوروبية تصرف على الأبحاث والتطوير شركات السيارات بينما في أمريكا شركات التقنية. لكن أيضا هناك أمثلة جيدة مثل أيرباص.
يصف التقرير حالة أوروبا في نواقص الإدارة الاقتصادية لكن العيب الأساس في الوحدة السياسية القادرة على دمج الأسواق المالية والبشرية والتنظيمية، فبدون سلطة عليا متكاملة ستبقى الدول تتصرف حسب الأولويات الوطنية والشركات طبقا لحجم السوق، بالتالي تتعامل مع مستوى من التحديات والأخطار مختلفة عن الشركات الأمريكية والصينية التي تتمتع بأسواق ضخمة. يأتي التقرير وكأنه يحاول إنقاذ أوروبا من نفسها كما ذكر مارتن ولف.
الإشكالية أن هذه الضغوط الاقتصادية تأتي على خلفية سياسية غير مؤاتية حيث الغضب عالي من الاتحاد الأوروبي وتنامي شعور وسياسات قومية ضيقة. بطبيعة الأمور السياسات الوطنية والقومية تمتد للسياسات الخارجية، وهذه بدورها تمتد للسياسات التجارية والاقتصادية خاصة أن أغلب وربما كل الدول الأوروبية صغيرة نسبيا بالتالي تجد التوازن بين السياسات الجماعية الأوروبية والوطنية في تزاحم، وأحيانا شد كما نرى في سياسات هناقاريا بين الصين والاتحاد الأوربي.
فمثلا أوروبا فقيرة نسبيا في توافر المعادن بالتالي هناك ضرورة للاستثمار في البلدان النامية التي لديها هذه الموارد لصناعة التعدين الضرورية لصناعة الطاقة المتجددة، لذلك لابد من سياسة تجارية واستثمارية خارجية موحدة. ربما لدى أوروبا خطة مناسبة لكن البيئة العالمية تعاني استقطاب تجاري وسياسي واقتصادي لن يساعد في تحقيقها.
من هذه الزاوية اعتقد أن هناك فرصة للسعودية على أكثر من صعيد. الأول أن هناك كثير من الشركات العائلية الأوروبية التي لديها التقنية لكن كما حدث في اليابان مع التحدي السكاني تناقص أفراد العائلة المهتمون أو القادرون على مواصلة إدارة أو تملك بعض هذه الشركات، لذلك هناك فرص تعاون واستحواذ شرط الدقة في الاختيار لأن التكامل داخليا ومواصلة النمو عامل أساس للتعاون والاستمرار خاصة في صناعات تحولية مثلا الآلات والأدوات والكيماويات. الناحية الثانية تأتي في ظل اهتمام السعودية بالتحول في صناعة الطاقة وقد بدأت السعودية بحصة صغيرة في شركة ألمانية في صناعة الهيدروجين.
أيضا هناك فرص في التعدين إذا أجدنا الإخراج والتكامل. أقترح تأسيس لجنة برغم بطء اللجان لدراسة فرص التكامل فهو يعين على إستراتيجية التنمية الصناعية والتكامل بين ما يخدم الجميع. الواضح من التقرير وحالة أوروبا أن الجميع يشعر بالحاجة الماسة للتغيير، لكن ما أصعب التغيير حين يكون التنسيق داخل كل دولة يمر من بوابة المصالح الضيقة ومن ثم التنسيق بين دول مختلفة في المقومات والتاريخ وأحيانا الأهداف. لذلك لدينا فرصة إذا تكون لدينا التصور والمرونة ودقة الأهداف.