رحلة سيلفريدجز من متجر في لندن إلى إمبراطورية التجزئة الفاخرة

يصعب تخيل زيارة العاصمة البريطانية لندن دون القيام بجولة، ولو سريعة، لمتجر سيلفريدجز الشهير في شارع أكسفورد، أحد أحجار الزاوية في تجارة التجزئة الفاخرة في بريطانيا، واللاعب المهم في سوق المتاجر العالمية منذ إنشائه قبل أكثر من 100 عام.

ويعتزم صندوق الاستثمارات العامة السعودي إبرام شراكة إستراتيجية مع شركة "سنترال" المتخصصة في مبيعات التجزئة والضيافة والعقارات، وبموجب الاتفاقية سيستحوذ الصندوق على حصة 40% في مجموعة "سيلفريدجز"، وبحسب إعلان الصندوق تأتي الشراكة عقب توقيع اتفاق ملزم يستحوذ عبره الصندوق على كامل حصة مجموعة "سيجنا" في مجموعة "سيلفريدجز"، ويخضع إتمام الاتفاقية للموافقات والشروط النظامية.

ورأى الخبير الاستثماري آرثر دين في حديث لـ "الاقتصادية" أن خطوة صندوق الاستثمارات السعودي إستراتيجية وتتماشى مع التنوع الاقتصادي لرؤية السعودية 2030، موضحا أن قطاع التجزئة الفاخر بهوامشه المرتفعة وجاذبيته العالمية يلائم الإستراتيجية السعودية الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الثروة.

مسار مربح للاستثمار
دين أشار إلى أنه باستحواذ السعودية على تلك الحصة من سيلفريدجز بات لديها إمكانية الوصول إلى أحد أكثر الأسماء شهرة في مجال تجارة التجزئة الفاخرة، ما يضع صندوق الاستثمارات العامة في المسار المربح للاستثمار، مضيفا: "وسيكون للقرار تأثير إيجابي في المجموعة بتعزيز حضورها العالمي".

وقال دين إن بعض الخبراء يعتقد أن الخطوة وفرت موطئ قدم كبير للسعودية في السوق الغربية، بينما ستستفيد مجموعة سيلفريدجز بشكل كبير من الدعم المالي والرؤى الإستراتيجية التي يقدمها صندوق الاستثمارات العامة.

وأضاف: "ومع تحول التسوق الرقمي إلى حجر زاوية لنجاح تجارة التجزئة، فإن ضخ رأس المال السعودي في مجموعة سيلفريدجز سيدعم استراتيجيات المجموعة عبر الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين تجارب العملاء وتوسيع النطاق العالمي لها".

تركيز سعودي على السياحة والضيافة
بدوره، أكد لـ "الاقتصادية" الخبير في مجال تجارة التجزئة إس. إل. مكارتني أن الاستحواذ يمنح إمكانات للتعاون طويل الأجل بين السعودية ومجموعة سيلفريدجز، مضيفا: "فالتركيز المتزايد للسعودية على السياحة والضيافة من شأنه أن يخلق تآزرا مع خبرة سيلفريدجز في مجال التجزئة، وخاصة في مشاريع التطوير الفاخرة المخطط لها داخل المدن السعودية، وقد يرى صندوق الاستثمارات السعودي فرصة لدمج تجارب التجزئة والعلامة التجارية لسيلفريدجز في مشاريع بارزة مثل نيوم، أو مشروع البحر الأحمر، أو إنشاء مراكز تسوق ومناطق فاخرة جديدة تهدف إلى جذب السياح الدوليين".

وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة ضخمة في سيلفريدجز ليس مجرد صفقة مالية بل شراكة إستراتيجية تحمل إمكانات كبيرة لكلا الطرفين، بحسب مكارنتي.

واعتبر أن الصفقة بالنسبة للسعودية خطوة أساسية في تنويع اقتصادها وتوسيع حضورها في سوق البيع بالتجزئة الفاخرة العالمية "وبالنسبة لشركة سيلفريدجز، يوفر ضخ رأس المال والرؤية الإستراتيجية فرصًا للتوسع والابتكار وتعزيز مكانتها كواحدة من شركات البيع بالتجزئة الفاخرة الرائدة في العالم.

ولفت إلى أنه مع استمرار تطور سوق السلع الفاخرة من المرجح أن تعمل هذه الشراكة كنموذج للتعاون المستقبلي بين العلامات التجارية الفاخرة العالمية وصندوق الاستثمارات الساعي إلى توسيع النفوذ الاقتصادي السعودي في الأسواق ذات النمو المرتفع".

تاريخ "سيلفريدجز"
يعود تاريخ متجر سيلفريدجز إلى 1909. في ذلك العام، افتتح الأمريكي هاري جوردون سيلفريدج متجره في قلب لندن، محدثًا ثورة في طريقة التسويق في المجتمع البريطاني.

ومع مرور السنين، توسع المتجر إلى خارج لندن، لكن المتجر الرئيسي في شارع أكسفورد ظل جوهرة التاج. لاحقًا، وسّعت الشركة ممتلكاتها لتشمل متاجر أخرى في عدد من الدول، لتتشكل بذلك مجموعة سيلفريدجز.

هنا أشارت الدكتورة أماندا جوناثان، أستاذة التاريخ البريطاني، إلى أن قناعة بعض المؤرخين أن هاري سيلفريدج هو من نحت مصطلح "الزبون دائمًا على حق".

وتقول جوناثان لـ "الاقتصادية": "أهمية متجر سيلفريدجز بالنسبة لبريطانيا لا تقف عند حدود كونه أيقونة هندسية معمارية رائعة بواجهات عرض متقنة، وإنما أحدث ثورة في مفهوم وتجربة التسوق، وأصبح المتجر أيقونة ثقافية تقدم الفن والأزياء والابتكار إلى قلب مساحة البيع بالتجزئة."

متاجر سيلفريدجز
اليوم تدير مجموعة سيلفريدجز متاجر رئيسية في المملكة المتحدة، بما فيها المتجر الرئيسي. كما تمتلك متاجر في برمنغهام ومانشستر، المعروفة بأنها وجهات تسوق شهيرة تجذب العملاء المحليين والسياح الدوليين، وتشكل متاجر سيلفريدجز في بريطانيا جوهر هوية المجموعة التي وسعت نطاقها من خلال عمليات الاستحواذ الإستراتيجية، وتمتلك الآن 18 متجراً في المملكة المتحدة وأيرلندا وهولندا، بحسب أستاذة التاريخ البريطاني.

في 2023، أعلنت مجموعة سيلفريدجز إيرادات سنوية تجاوزت 1.8 مليار جنيه إسترليني، إذ يعد هذا الرقم تعافيا كبيرا من تأثير جائحة كوفيد-19 التي عطلت قطاع التجزئة على مستوى العالم. وسمحت إستراتيجية المجموعة المتمثلة في تبني التجارة الإلكترونية مع الحفاظ على متاجرها المادية المرموقة بالحفاظ على الربحية.

وتمثل مبيعات سيلفريدجز عبر الإنترنت الآن حصة متزايدة من إيراداتها، إذ تسهم القنوات الرقمية بأكثر من 30 % من إجمالي مبيعات المجموعة.

وبالعودة إلى دين الذي أوضح أن تركيز المجموعة على سوق السلع الفاخرة عزلها إلى حد ما عن الضغوط التي تواجه تجار التجزئة من الفئة المتوسطة. فتجارة التجزئة الفاخرة أكثر مرونة في فترات الركود الاقتصادي لأن عملاءها أغلبهم أثرياء ودوليون ويظلون ملتزمين بالسلع والخدمات الراقية.