مزيج قاس من تراجع النمو وارتفاع الدين

كانت احتمالات التباطؤ المتزامن في النمو العالمي هي أكبر مخاوفي. وما هي إلا عدة أشهر حتى تضاءل هذا الخوف أمام الصدمة المفاجئة التي أحدثتها الجائحة، وما تلاها من أحداث مأساوية أخرى - الحروب المروعة في أوكرانيا والشرق الأوسط، وأزمة تكلفة المعيشة، والتصدعات المتزايدة في الاقتصاد العالمي.

ولكن من أين جاءت هذه الصلابة؟ الإجابة: من السياسات والمؤسسات القوية التي أمكن إرساؤها بمرور الوقت، ومن التعاون الدولي على مستوى السياسات، حيث تعلمت البلدان أن تتحرك سريعا وأن تتحرك معا. فنحن نجني ثمار استقلال البنوك المركزية - في الاقتصادات المتقدمة وعديد من الأسواق الصاعدة، وسنوات الإصلاحات الاحترازية في القطاع المصرفي، والتقدم المحرز في بناء مؤسسات المالية العامة، وتنمية القدرات حول العالم.

ولكن رغم الأخبار الجيدة، لا نتوقع أن يكون الأسبوع القادم احتفالا بالنصر - لثلاثة أسباب على الأقل:

• أولا: قد تكون معدلات التضخم آخذة في التراجع، ولكن ارتفاع مستوى الأسعار الذي نشعر بتأثيره في جيوب المواطنين مستمر. فالأسر تعاني، والمواطنون يعتريهم الغضب. وقد شهدت الاقتصادات المتقدمة ارتفاعات في معدلات التضخم لا تتكرر في جيل واحد، وهو ما حدث في عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة أيضا. ولكن لننظر كيف ساءت الأوضاع في البلدان منخفضة الدخل. وعلاوة على هذا وذاك، يحدث ذلك في وقت تشير فيه تنبؤاتنا إلى مزيج قاس من تراجع النمو وارتفاع الدين -إنه مستقبل صعب.

ويزداد المشهد اضطرابا بسبب استمرار ارتفاع الدين الحكومي- الذي يتجاوز بكثير مستويات ما قبل الجائحة، حتى بعد الانخفاض الكبير في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي لفترة وجيزة نتيجة زيادة إجمالي الناتج المحلي الاسمي بفعل التضخم.

أول مجالات الإصلاح هو أن تعمل أسواق الوظائف لصالح المواطنين. فنحن نواجه عالما من التفاوتات الديمغرافية العميقة، حيث تشهد بعض المناطق زيادة في أعداد الشباب يقابلها نمو في مجتمعات المسنين في مناطق أخرى. ويمكن للهجرة الاقتصادية أن تساعد في هذا الصدد، وإن كان دورها سيظل محدودا بسبب بواعث القلق التي تعتري عديد من البلدان. ومن الممكن أيضا اتخاذ خطوات داعمة للمساعدة في زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة.

والمجال الثاني هو تعبئة رأس المال. فالعالم ينعم برأسمال وفير، لكنه غالبا ما يتعذر توظيفه في الأماكن الصحيحة أو في الأنواع الصحيحة من الاستثمارات - وحسبنا أن نفكر في جميع الأموال من جميع أنحاء العالم التي تصب في أصول سائلة، ولكنها أقل إنتاجية، في عدد قليل من المراكز المالية الكبرى.

• أما المجال الثالث: فهو زيادة الإنتاجية، أي زيادة الناتج لكل وحدة من المدخلات. وتوجد طرق عديدة لزيادتها، بداية من تحسين الحوكمة والمؤسسات وحتى تقليص الروتين واستغلال قوة الذكاء الاصطناعي. ومن شأن زيادة وتحسين الإنفاق على التعليم والبحث والتطوير أن يساعدا في هذا الصدد.

دعونا لا نقبل التوترات العالمية كأمر مسلم به، وإنما نعقد العزم على السعي لتهدئة حدة الأوضاع الجغرافية-السياسية والتركيز على المهام التي لن يتسنى إدراكها إلا بالعمل المشترك:

• أولا: التجارة، التي أسهمت في تراجع الأسعار وتحسن الجودة وخلق الوظائف. وقد أثبتت التجارة حتى الآن صلابة ملحوظة في مواجهة الحواجز الجديدة، من خلال الالتفاف عليها غالبا وإرسال التدفقات عبر بلدان ثالثة. ولكن إعادة توجيه التدفقات التجارية ليست حلا فعالا، ولا يمكننا أن نفترض استمراره لأجل غير مسمى.

• ثانيا: المناخ، حيث نواجه تحديا وجوديا، وحيث تكون البلدان الأقل مساهمة في الانبعاثات العالمية هي أول من يعاني تبعاتها. والاحترار العالمي الذي فاقت سرعته التوقعات بات يدق ناقوس الخطر.

• ثالثا: الذكاء الاصطناعي، وهو فرصتنا الأفضل لزيادة الإنتاجية. فأبحاث الصندوق تشير إلى أن الإدارة السليمة للذكاء الاصطناعي بإمكانها زيادة النمو العالمي بما يصل إلى 0,8 نقطة مئوية - وستضمن هذه الزيادة ارتفاع النمو عن مستواه في سنوات ما قبل الجائحة. غير أن الذكاء الاصطناعي في حاجة ماسة إلى قواعد تنظيمية وأخلاقية ذات طابع عالمي في الأساس. لماذا؟ لأن الذكاء الاصطناعي لا حدود له - فهو موجود بالفعل داخل الهواتف الذكية في كل مكان. لذلك علينا أن نتحرك فورا. فهذه التكنولوجيا لا تعرف الانتظار.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي