صندوق النقد .. إما الإصلاح أو الاضمحلال
إن العالم يحتاج إلى صندوق نقد دولي ناجح وفَـعّـال. فقد أصبحت البلدان مثقلة بالديون بشدة في أعقاب جائحة كوفيد-19، ويتنامى خطر حدوث صدمات جديدة مع ارتفاع درجات حرارة العالم وظهور مسببات أمراض جديدة. كما تشهد سياسات الحماية (التي تتخفى أحيانا تحت ستار المصالح الأمنية)، صعودا مضطردا، فتعوق مسارات التنمية التقليدية. نحن في احتياج إلى وسيط نزيه يساعد البلدان في التفاوض على قواعد عادلة للتبادل الدولي (بما في ذلك، وعلى وجه السرعة، قواعد تحكم إعانات الدعم)، ومحاسبة المخالفين، وانتقاد السياسات الرديئة، والتدخل كملاذ أخير للإقراض لأولئك الذين يمرون بمحنة.
من المؤسف أن صندوق النقد الدولي، على الرغم من الجودة العالية التي تتمتع بها إدارته وموظفيه، أصبح على نحو متزايد في وضع سيئ لا يسمح له بالاضطلاع بهذه المهام. تكمن المشكلات التي تعانيها هذه المؤسسة في أساليب حوكمتها العتيقة. إذ تُـتَّـخَـذ أغلب القرارات الرئيسية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقروض المقدمة للبلدان، بواسطة الهيئة التنفيذية للصندوق، حيث تستأثر دول مجموعة السبع بمعظم السلطة. وتتمتع الولايات المتحدة بحق النقض بحكم الأمر الواقع، وتتفوق قوة اليابان التصويتية على قوة الصين التصويتية، التي يبدو اقتصادها عملاقا مقارنة باقتصاد اليابان. من المرجح أيضا أن تتدهور نوعية قرارات الإقراض التي يتخذها الصندوق.
فحينما يقدم الصندوق القروض، من الطبيعي أن تميل البلدان التي تتمتع بعلاقات قوية التي تواجه مشكلات اقتصادية إلى الحصول على قدر أكبر من الغوث بشروط أيسر. الخلاصة أن بنية حوكمة صندوق النقد من شأنها أن تلحق الضرر بعمل الصندوق على نحو متزايد. ولكن ألن تُـفـضي إعادة توزيع حصص التصويت في صندوق النقد الدولي بحيث تعكس التوزيع الحالي للقوة الاقتصادية إلى الفوضى؟ ألن تحجب الصين القروض عن أي دولة مرتبطة بمجموعة الدول السبع، والعكس؟ أليست الإدارة المختلة وظيفيا أفضل من الشلل التام؟ ربما، وهذا هو السبب الذي يجعل أي إصلاحات تؤثر في قوة تصويت البلدان لابد وأن تكون مصحوبة بتغييرات جوهرية في حوكمة صندوق النقد الدولي.
فلا ينبغي للمجلس التنفيذي أن يصوت بعد الآن على القرارات التشغيلية، بما في ذلك برامج الإقراض الفردية. بل يجب أن تُـمـنَـح إدارة الصندوق العليا الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات التشغيلية لصالح الاقتصاد العالمي، مع اضطلاع مجلس الإدارة بوضع المبادئ التوجيهية العامة وفحص مدى الامتثال لهذه المبادئ دوريا. يتمثل اعتراض آخر في أن القوى الناشئة مثل الصين قد لا توافق على تغيير بنية الصندوق الآن وقد أصبحت هي ذاتها على وشك اكتساب السلطة. ولكن إذا لم تتقبل أي تغيير، فلن تتقبله القوى القديمة أيضا.
لم تُـسفِـر المراجعة العامة السادسة عشرة للحصص أخيرا عن تغيير كبير في توزيع سلطة مجلس الإدارة. وينبغي لنا أن نتوقع مزيدا من ذات الشيء ما لم تتوصل القوى القديمة والقوى الناشئة إلى صفقة كبرى. أخيرا، لن تشعر البلدان بالارتياح إزاء إنفاق الموارد المالية من قِبَل إدارة غير منتخبة قد تكون غير حساسة لاحتياجات شعوب العالم. لكن الاعتبارات السياسية ستظل تضطلع بدور ملموس. وسيتولى مديرو مجلس الإدارة، الذين تعينهم الحكومات، تعيين كبار مديري صندوق النقد الدولي وإصدار الأوامر العامة لهم، استنادا إلى التقييمات السياسية الصادرة عن حكوماتهم. بعد 8 عقود من إنشاء صندوق النقد الدولي، يستطيع العالم -بل يتعين عليه- أن يسعى إلى التوصل إلى صفقة كبرى لإصلاح بنية إدارته والتعامل مع التحديات الناشئة. فالبديل هو القيام بأقل القليل ومشاهدة المؤسسة تضمحل إلى زوال.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.