بين بريكس والدولار
بريكس تجمع اقتصادي لدول. والاسم مختصر الأحرف الأولى بالإنجليزية لأسماء الدول المشاركة في هذا التجمع، وعلى رأسها روسيا والبرازيل والهند والصين. يجري نقاش قوي على مستويات متعددة عن تأثير بريكس في مستقبل الدولار. ومعروف أن الدولار الأمريكي وعبر عقود مهيمن عالميا، أي العملة الدولية رقم 1. والعملة الدولية تتصف بثلاث خصائص: 1- استخدامها في التجارة الدولية و2- في إصدار السندات و3- تحتفظ بها دول كثيرة احتياطيات رسمية.
عقدت قمة بريكس لهذا العام في روسيا في 22 من الشهر الحالي أكتوبر. عقد في وقت يشهد فيه العالم مزيدا من التوترات الدولية، وهناك عزلة وعقوبات غربية مفروضة على روسيا. ورغم كل ذلك سعت زعامة روسيا من خلال هذا الحدث إلى البرهنة على أن روسيا لا تزال تحافظ على تحالفات عالمية كبيرة، رغم أحداث على رأسها حرب أوكرانيا. يسعى تجمع بريكس إلى أن يتقوى أكثر. من ذلك السعي لدخول أعضاء جدد. من أهم أهداف بريكس تقليل النفوذ الغربي وعلى رأسه أمريكا، وتقليل دور الدولار. الرؤية السائدة في التجمع وخاصة من الأعضاء روسيا والصين أن هيمنة الدولار ليست في مصلحة اقتصادات دول بريكس.
هيمنة الدولار أعطته لقب "ملك العملات". وحسب بيانات صادرة من صندوق النقد الدولي، نحو 60% من الاحتياطي النقدي العالمي هذا العام بالدولار. ويليه اليورو بنسبة نحو 20%، وواضح أنها نسبة صغيرة مقارنة بنسبة الدولار. وهذا وضع ليس بجديد، بل موجود عبر السنين. والحكومات والبنوك المركزية في أنحاء العالم تهتم بالاحتياطي النقيد الأجنبي نظرا للحاجة إليه في المعاملات التجارية الدولية، ومن جهة أخرى، يساعد على التعامل مع الأزمات الاقتصادية التي تواجه اقتصادات الدول. وخلاف الاحتياطي، يتستخدم الدولار في تسعير سلع أساسية، وعلى رأسها النفط. ومن تبعات ذلك، أن انخفاض قيمة العملة المحلية لدولة ما مقابل الدولار، يتسبب في ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم. وهذا ما نراه في دول.
ويميل المستثمرون إلى شراء الدولار عندما يعاني الاقتصاد العالمي ضغوطا، فالعملة الأمريكية تعد "ملاذاً آمناً" في أوقات الأزمات، لأن اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم. لا شك أن التطورات والظروف خاصة قبل التطورات التقنية الأخيرة، خدمت الدولار. لكن التطورات التقنية المالية تسهل عملية التنقل بين أكثر من عملة. أي أن ذلك كان أصعب في الماضي. وسرعة التغيرات في الأحداث تعتمد على طبيعة السياسات للفترة القادمة، وعلى نظرة الناس إلى مدى الأمان والثقة في سندات الخزينة الأمريكية، أو مدى شكهم بمستوى الأمان في عملات أخرى. لكن نقص الثقة في سندات الخزينة الأمريكية له ثمن. البدائل بها عيوب. والنتيجة حصول نقص سيولة عالميا. ومن المهم الإشارة إلى نقطة. حصة حصة الدولار من الاحتياطي النقدي الدولي في تراجع نسبي في الأعوام الأخيرة.
تراجع سببه الأكبر زيادة دول من نسبة الاحتياطي من عملاتها، وعلى رأس هذه العملات اليوان الصيني والدولار الأسترالي والوون الكوري الجنوبي والدولار الكندي. لكن هذه التطورات محدودة، وهناك مشكلات ذات اعتبار تقلل من تزايد منافسة عملات أخرى للدولار. وتبعا، تشير تقارير كثيرة ذات قيمة إلى أن الدولار سيظل العملة الرئيسية في الاحتياطي النقدي العالمي على المديين القريب والمتوسط، وربما البعيد. هناك نقاش يثار داخل مجموعة بريكس في إيجاد عملة للمجموعة. يرى بعضهم أنها فكرة قابلة للتحقق يرون أن التطبيق ليس بجديد فقد سبقتها أوروبا في استحداث اليورو. لكنه مجرد نقاش لا يحوي آلية وخطوات تنفيذ متفق عليها. ومن الصعب حصول ذلك، لاختلاف المصالح والرؤى والتوجهات بين أعضاء المجموعة.