ما أسباب الرخاء الاقتصادي؟
تُـرى لماذا أصبحت بعض البلدان غنية ولم تصبح بلدان أخرى كذلك؟ يقدم لنا الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل في علوم الاقتصاد لهذا العام ــ دارون عاصم أوغلو، وسايمون جونسون، وجيمس أ. روبنسون ــ إجابة بسيطة: المؤسسات. فالبلدان التي تحظى بمؤسسات "شاملة" -التي تدعم المجتمع المفتوح، والحكومة المسؤولة، والحرية الاقتصادية، وسيادة القانون- تحقق نتائج أفضل من تلك التي تحكمها مؤسسات "استخراجية" تكافئ أصحاب السلطة.
عادة، يحدث النوعان من التطور ــ المؤسسي والاقتصادي ــ في آن واحد، ما يجعل من الصعب التمييز بين السبب والأثر. لهذا السبب بدا سؤال السببية لفترة طويلة وكأنه مشكلة مستعصية على الـحَـلّ. وقد تصدى عاصم أوغلو، وجونسون، وروبنسون من خلال فحص مسارات المستعمرات الأوروبية على مدار القرون الخمسة الأخيرة.
عندما وصل الأوروبيون إلى مناطق بها سلع ثمينة مثل الذهب والسكر، كان هدفهم الأصلي استخراج الثروة، والذي استخدموا أساليب أخرى وحُـكـم الـنُـخبة الاستبدادية لتحقيقه. إن الحكومة التي لا تعتمد على عائدات الضرائب وبوسعها الاحتفاظ بالسلطة بالقوة ــ على سبيل المثال، من خلال الاحتفاظ بالسيطرة المادية على مناجم الذهب أو الفضة، أو مزارع السكر، أو آبار النفط ــ لن يكون لديها حافز كبير لتطوير أنظمة سياسية واقتصادية تُـفـضي إلى الرخاء الشامل.
ومع ذلك، نجد أن ما كان ذات يوم مستعمرات أقل جاذبية أصبح الاقتصادات التي بدأت تتحول إلى التصنيع أولا. لتفسير هذا "الانقلاب في الحظوظ" ــ والأمر الأكثر جوهرية، العلاقة السببية بين المؤسسات والرخاء ــ فحص الحائزون على جائزة نوبل عاملا خارجيا مُـحَـدِّدا للمؤسسات: معدل الوفيات بين المستوطنين في وقت الاستعمار، الذي كان متباينا على نطاق واسع وفقا للظروف المناخية المحلية.
ويبدو هذا النهج غريبا. لكن الفكرة كانت أن المستوطنين، في الأماكن حيث لم تقض عليهم أمراض محلية، كان لديهم الحافز لإنشاء مؤسسات فعّالة قادرة على دعم رفاهة مجتمعاتهم الجديدة. وعلى هذا، فعندما وصلت الثورة الصناعية، كانت الاقتصادات التي استوطنها الأوروبيون مجهزة على نحو أفضل للاستفادة من هذه الثورة مقارنة بالاقتصادات التي ركز الأوروبيون على استخراج الثروات الطبيعية منها. اليوم.
قد ينظر بعض المراقبين إلى هذا الاكتشاف باعتباره قَـدَريا، فيفسرونه على أنه يعني أن البلدان أصبحت أسيرة لمناخها وتاريخها. لكن عاصم أوغلو، وجونسون، وروبنسون لا يزعمون أن كل أو حتى معظم التباين في المؤسسات يعكس الوفيات بين المستوطنين. إنهم يقولون فقط إن بعض التباين يعكس تلك الوفيات، ويستنتجون أن مصادر أخرى للاختلافات المؤسسية ــ وخاصة القرارات السياسية التي يتخذها زعماء غير قَدَريين ــ قد تخلف تأثيرات مماثلة.
وقد يخطئ بعض المراقبين أيضا في تفسير عاصم أوغلو، وجونسون، وروبنسون على أنهم يزعمون أن المؤسسات الغربية متفوقة على غيرها حتى برغم أن المؤسسات التي أنشأها المستوطنون الأوروبيون من غير الممكن اعتبارها "شاملة". فلا أحد يشك في أن المستوطنين الأوروبيين كانوا يعاملون السكان المحليين في المستعمرات الاستيطانية بطريقة شديدة السوء ولا تقل سوءا عن المعاملة التي لاقاها السكان المحليون في المستعمرات الاستخراجية.
إلى جانب أهميتها الأخلاقية، تميل مبادئ مثل الديمقراطية، وسيادة القانون، والحد من الفساد، والحرية الاقتصادية، وغياب نظام الطوائف الطبقي إلى تحقيق نتائج اقتصادية أفضل من بدائلها. وبالتالي يمكن النظر إلى قيمتها على أنها عالمية، حتى لو كانت تاريخيا تطورت بشكل أسرع في أوروبا والأراضي التي استوطنها الأوروبيون في عموم الأمر. فقد اكتشف إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في إنجلترا، لكنه لا ينطبق هناك أو في المستعمرات البريطانية السابقة فقط.
لا ينبغي للمناخ الميّال إلى نشر الأمراض ولا التاريخ الاستعماري الاستغلالي أن يمنع أي بلد من القيام بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية. وهنا قد تكمن الرسالة الأكثر أهمية في البحث الحائز على جائزة نوبل لهذا العام: يتمتع القادة في كل مكان بالسلطة اللازمة لبناء المؤسسات الشاملة القادرة على دعم الرخاء الطويل الأجل.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
www.project-syndicate.org