توطين سلاسل الإمداد ركيزة لنجاح رؤية 2030

في 2022 أطلق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية "جسري" الهادفة إلى تحويل السعودية إلى مركز عالمي وحلقة وصل أساسية في سلسلة التوريد الدولية. بالاعتماد على عدة محاور أساسية أهمها الاستقرار الاقتصادي، والموقع الجغرافي المميز الرابط بين مختلف الأسواق. إضافة إلى المقومات المحلية التي تملكها مثل الثروات الطبيعية.

ومع التطورات التي يشهدها العالم سواء كانت جيوسياسية أو تجارية، فأن توطين سلاسل الإمداد المحلية أصبح ضرورة ملحة. ففي ظل خطط اقتصادية طموحة للتنويع وقطاعات صاعدة بقوة تحتاج إلى سلسلة توريد تعمل بكفاءة وتتسم بالاستمرارية وبتكلفة مناسبة تحافظ على هوامش الأرباح. فإن خطط السعودية يفضل أن تكون أسرع في توطين سلاسل الإمداد المحلية.

ولضمان تحقيق قيمة مضافة عالية من عملية التوطين، فمن الأفضل التركيز على استغلال الثروات المحلية من الموارد الطبيعية. فوفقًا لتقديرات وزارة الصناعة والثروة المعدنية، فإن حجم الثروات المعدنية في السعودية تصل إلى 9.4 تريليون ريال. وتشمل مختلف المعادن التي تخدم القطاعات المتنوعة وبالأخص الصناعات المتقدمة مثل المعادن النادرة.

وتتنوع القطاعات التي تركز عليها السعودية لتوطين سلاسل الإمداد الخاصة بها. على سبيل المثال تعد السعودية قوة عالمية في صناعة الطاقة التقليدية مثل النفط، ولكن خططها المستقبلية تتضمن الحفاظ على الريادة في مجالات الطاقة المتجددة. لذلك فإن إنشاء سلسلة توريد محلية لصناعة الطاقة المتجددة مثل صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح يشكل أولوية. معتمدة بذلك على المخزون الإستراتيجي المحلي من المعادن التي تدخل في الصناعة والعلاقات القوية مع الدول التي تملك المعادن غير المتوفرة في السعودية.

بالوصول إلى القطاعات الصناعية التي تركز عليها رؤية السعودية التي تشمل الصناعات المتقدمة مثل الصناعات التكنولوجية والسيارات الكهربائية. فإنها تتطلب سلسلة توريد خاصة تبدأ من المعادن المهمة مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس، وصولًا إلى عمليات المعالجة ومما تتطلبه من تقنيات متقدمة، وختامًا إخراج المنتج النهائي الذي يستخدم في الصناعة مثل البطاريات الكهربائية.

توطين سلاسل الإمداد يؤدي أيضا دور رئيسي في جذب الاستثمار الأجنبي. فواحدة من أهم محاور اهتمام المستثمرين عندما يقرر الدخول إلى دولة معينة هو مدى توافر سلسلة توريد محلية مستقرة تخدم الصناعة. على سبيل المثال أسهم بناء الصين لسلاسل توريد محلية قوية لمختلف الصناعات في جعلها الوجهة الأولى للمستثمرين في العالم في العقدين الأخيرين.

عملية التوطين ستقوم بتقديم الدعم المباشر لتجارة السعودية الخارجية سواء على صعيد الصادرات أو الواردات. على سبيل المثال شكلت واردات السيارات في 2023 الجزء الأكبر من ورادات السعودية، حيث بلغت 23 مليار دولار. بالتالي ففي حالة النجاح في توطين سلسلة توريد لصناعة السيارات في السعودية وجذب شركات السيارات العالمية للإنتاج في الداخل، فإن ذلك سيؤدي لاستبدال الواردات بالإنتاج في الداخل.

الأمر لا يتوقف على إحلال الورادات ولكن يمتد لدعم الصادرات. حيث سيؤدي توطين سلاسل الإمداد في السعودية إلى تحويلها إلى مركز رئيسي للتصدير في العالم سواء في صورة منتجات نهائية، أو مكونات لخدمة الصناعات في الأسواق المجاورة.

ولضمان تحقيق أفضل النتائج لتوطين سلاسل الإمداد، فإن السعودية في حاجة إلى سياسات تسهم في تحقيق ذلك الهدف.

على مستوى السياسة المالية فإنها تحتاج إلى تقديم مجموعة من الحوافز تسهم في تشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي على الانخراط في بناء سلسة التوريد المحلية. شاملة أنواع مختلفة، مثل الإعفاء من الضرائب لمدة محددة للقطاعات ذات الأولوية مثل استخراج المعادن ومعالجتها. إضافة إلى إلغاء رسوم الاستيراد على مستلزمات الإنتاج التي يحتاجها المستثمرون. بجانب حوافز أخرى مثل تحمل جزء من رواتب العمالة لتخفيف الضغط على الشركات.

دعم البحث والتطوير يشكل واحدة من أهم المحاور لدعم توطين سلاسل الإمداد المحلية. وذلك عبر محورين، الأول تشجيع الشركات الأجنبية لإنشاء مراكز للبحث والتطوير في السعودية مع توفير الحوافز المالية التي تشجعها على اتخاذ تلك الخطوة. الثاني قيام السلطات السعودية بإنشاء مراكز البحث والتطوير الخاصة بها بالتعاون مع المؤسسات المختصة.

ختامًا فإن السعودية اليوم أمام فرصة تاريخية لتبوء مكانة مهمة في سلسلة التوريد العالمية. حيث يمر العالم بمرحلة من تنويع سلاسل الإمداد بعيدًا عن المراكز الرئيسية مثل الصين نظرًا للتوترات مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة والتباطؤ الاقتصادي المحلي. وقد بدأت الشركات العالمية في البحث عن وجهات جديدة تكون محطة للإنتاج والتصدير في السنوات المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي