توقعات لا مركزية بلا مراهنات مالية .. هل ممكن؟

لو وضعنا جملاً وزنه 300 كيلوجرام أمام عدد كبير من الناس وسألنا عن وزنه، فسنجد أن متوسط التقديرات سيكون قريباً جداً لوزن الجمل! هذه هي الفكرة من الاعتماد على آراء عدد كبير من الناس، لأنه في غياب أي حلول أخرى هذه الطريقة تعد أفضل ما لدينا لتقدير قيمة شيء ما أو لتوقع حدوث أمر معين، وهو ما نعرفه جميعاً من كون أسعار الأسهم تقررها آراء المشاركين في السوق، وهي غالباً أفضل تقدير لسعر السهم بحكم عدد المشاركين.

كذلك عندما نقوم بعمل الاستفتاءات حول حدث ما أو من أجل دراسة تسويقية أو اجتماعية أو في أي مجال آخر فالهدف دائماً هو الاستئناس بآراء عدد مناسب من الناس للخروج بتصور معين لأمر غامض لن نعلم عن صحته إلا في المستقبل، وعلم المستقبل بيد الله سبحانه وتعالى.

ليس بالمستغرب إذن أن نجد مراهنات على نتائج الأنشطة الرياضية في بعض الدول، التي سبق أن كتبت عن طريقة عملها في مقال سابق، كنتائج مباريات كرة القدم، أو أي من الأحداث الاجتماعية والسياسية حيث توجد منصات تدير مثل هذه المراهنات، التي هي لا شك نوع من أنواع القمار، لكن قبل أن نستعجل في الحكم بالابتعاد عنها تماماً، دعونا ننظر إلى كيف تعمل نماذج التوقعات اللا مركزية وننظر إلى إمكانية الاستفادة منها دون الاعتماد على المال، وبالتالي إزالة التحريم الشرعي عنها.

واحدة من أشهر منصات التوقعات اللا مركزية هي "بوليماركت" التي اشتهرت هذه الأيام لكونها تحتوي على توقعات بشأن نتيجة الانتخابات الأمريكية، وهي تعتمد على الدفع بالعملات المشفرة، وهي غير نظامية ولا يسمح بها في كثير من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك فهي مشهورة في أمريكا وتوجد طرق فنية للوصول إليها، وقد بلغ حجم الأموال التي ضخت في توقع نتيجة الفوز الرئاسي حتى الآن نحو 800 مليون دولار.

الجانب اللا مركزي مهم جداً هنا، لأن منصات التوقعات تختلف عن منصات المراهنات التقليدية في أنه لا توجد جهة مركزية تتولى إدارة المراهنات وتحديد الاحتمالات والمخاطرة بأموالها، بل إن العملية تتم فيما بين المتعاملين، ودور المنصة فقط إتاحة التداول والحصول على نسبة قليلة كرسوم إدارية.

باختصار سريع، تقوم المنصة بطرح مواضيع معينة، بناء على اقتراحات المشاركين، مثلاً: هل ستضرب إيران إسرائيل خلال هذا الشهر، أو هل سيفوز ترمب أم كاميلا، أو هل سيتم اعتقال المجرم الفلاني، أو هل سينجح التطبيق الفلاني، أو هل سيكون عام 2024 الأعلى حرارة منذ 20 عاماً؟ وهكذا.

وفي معظم التوقعات الخيارات هي "نعم" أم "لا"، ولكل خيار سعر من صفر إلى دولار، فمثلاً الآن السهم الواحد لشراء صوت "نعم" لفوز ترمب 63 سنتا، وصوت "نعم" لفوز كاميلا بسعر 37 سنتا، فلو أن شخصاً اشترى 1000 سهم لفوز ترمب فالتكلفة 630 دولارا، وفي حال فاز ترمب يصبح سعر "نعم" دولارا تلقائياً، ويحصل الشخص على 1000 دولار، فيربح 370 دولارا من هذه العملية. أي إن الأموال التي ضخت في الجانب المعاكس تدفع للجانب الفائز، وهذا أبرز الاختلافات عن منصات القمار التقليدية.

ما يهمنا في مثل هذه المنصات هو أنها وسيلة للاستفادة من آراء الناس حول حدث معين، وبحكم أن المال محرك قوي ومؤثر في النفوس فتكون الآراء المبنية على المال ذات دلالات أقوى من مجرد الرد على استفتاء منشور ليس له أي تكلفة على المشارك.

ومع ذلك بالإمكان الاستفادة من هذا النموذج اللا مركزي باستخدام نموذج النقاط، فتكون المكافأة للمشارك المتميز في توقعاته الحصول على سمعة وشهرة من رصيده من النقاط، ومنها يستطيع الاستفادة مالياً في أماكن أخرى إن أراد ذلك. وبالإمكان استخدام التوقعات اللا مركزية في المنشآت التجارية وفي الجهات الحكومية لتحفيز الموظفين على المشاركة بما لديهم من آراء حول أحداث ونشاطات مهمة للجهة، ومنها يتم التمييز بين الموظفين ذوي الآراء القيمة والحكمة في اتخاذ القرارات من خلال ما لديهم من نقاط تفوق، وهكذا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي