السعودية تعلن اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر
أعلنت السعودية اليوم اكتشاف فريد من نوعه لقرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر، شمال غرب البلاد ضمن بحث أثري جديد نُشر في مجلة «بلوس ون» العلمية.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقدته الهيئة الملكية لمحافظة العلا في الرياض، سلط الضوء على أهمية هذا الاكتشاف الأثري الذي تمّ في إطار مشروع "خيبر عبر العصور" بقيادة الباحث في المركز الوطني الفرنسي الدكتور غيوم شارلو، ومديرة المسوحات الأثرية في الهيئة الدكتورة منيرة المشوح، الانتقال من حياة الرعي المتنقلة إلى الحياة الحضرية المستقرة في المنطقة، خلال النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد.
ويغير الاكتشاف من المفاهيم السابقة بأن المجتمع الرعوي والبدوي كان النموذج الاجتماعي والاقتصادي السائد في شمال غرب الجزيرة العربية خلال العصر البرونزي المبكر والمتوسط.
العصر البرونزي هو فترة تاريخية تميزت باستخدام الإنسان للبرونز في صناعة الأدوات والأسلحة. بدأ هذا العصر حوالي 3300 قبل الميلاد في مناطق مثل الشرق الأدنى، وانتشر لاحقًا إلى أجزاء أخرى من العالم، إذ أن لكل منطقة توقيت مختلف لبدء هذه الفترة.
الحياة شمال غرب الجزيرة العربية
وتشير الدراسة إلى أن مناطق مثل خيبر كانت مراكز حضرية مهمة تدعم استقرار مجتمعاتها بشكل دائم، وخاصةً مع ظهور الزراعة فيها، فضلًا عن كونها مراكز للتجارة والتعاملات مع المجتمعات المتنقلة. وكان لظهور هذا النمط الحضري أثر كبير على النموذج الاقتصادي الاجتماعي في المنطقة.
ورغم من وجود عدد كبير من المجتمعات الرعوية المتنقلة في شمال غرب الجزيرة العربية في العصر البرونزي، إلاّ أن المنطقة كانت تضم عددًا من الواحات المسوّرة المتصلة مع بعضها، والمنتشرة حول المدن المحصّنة مثل تيماء، وفق لأدلة الدراسة.
وتقدّم القرية المكتشفة، التي تُدعى "النطاة"، دليلًا على وجود تقسيم واضح ضمن الحصون والمدن لمناطق مخصصة للسكن وأخرى جنائزية، ويعود تاريخ القرية إلى قرابة 2400-2000 قبل الميلاد وحتى 1500-1300 قبل الميلاد، وبلغ عدد سكانها 500 شخص ضمن مساحة 2.6 هكتار، مع وجود سور حجري بطول 15 كم يحيط بواحة خيبر لحمايتها.
4 أعوام من البحث
فريق البحث تمكن من تحديد الموقع الأثري في أكتوبر 2020، إلاّ أنه كان من الصعب تمييز هياكل القرية وتخطيطها، وفي فبراير 2024 استعان الفريق بعمليات مسح ميداني وأعمال بحث مخصصة، وتصوير عالي الدقة لفهم ما يكمن تحت السطح. ومن المتوقع أن تسهم عمليات التنقيب الأكثر شمولًا في المستقبل في تقديم صورة أوضح عن الموقع.
الفريق ضم إضافة إلى الدكتور غيوم شارلو، الدكتورة منيرة المشوح مديرة المسوحات الأثرية في الهيئة، والمؤرّخ صيفي الشلالي من أهالي خيبر.
الدراسة ترسم صورة أولية لملامح حياة سكان قرية "النطاة"، حيث كانوا يقيمون في مساكن تقليدية من عدة أدوار، وكانوا يخصصون الدور الأرضي للتخزين في الغالب، بينما كانت معيشتهم في الطابقين الأول أو الثاني، وكانت الطرقات بين المساكن ضيقة تقود إلى مركز القرية، وكانوا يدفنون موتاهم في مدافن ومذيلات برجية متدرجة؛ مما يشير إلى علو مكانة المدفون من خلال وضع قطعٍ ثمينةٍ في بعض المدافن، كالفخار أو الأسلحة المعدنية كالفؤوس والخناجر، وكان سكان القرية يستخدمون الخرز في ملابسهم، ويصنعون الفخار ويتاجرون به، وكانوا يعملون بالمعادن، ويزرعون الحبوب ويربون الكائنات الحية، إذ كان النظام الغذائي المحلي يعتمد بشكل كبير على الأغنام والماعز، ويظهر تعاون السكان لتعزيز أسوارهم بالحجارة الجافة والطين.
سلسلة من الاكتشافات الأثرية في خيبر
وتقع واحة خيبر على أطراف حقل حرة خيبر البركاني، وتشكلت عند التقاء ثلاثة أودية في منطقة جافة، ووجدت قرية "النطاة" في الأطراف الشمالية للواحة تحت أكوام من صخور البازلت حيث كانت مدفونةً لآلاف السنين.
وتُضاف الاكتشافات الجديدة إلى سلسلة من الدراسات التي بدأت في منذ عام 2018 باستكشاف معالم وخبايا العلا وخيبر القديمة، بما في ذلك المنشآت الحجرية الضخمة المعروفة باسم "المستطيلات"، والمصائد الحجرية، و"الطرق الجنائزية" الطويلة التي ربطت بين المستوطنات والمراعي عبر ممرات محاطة بالمدافن، بالإضافة إلى المساكن المعروفة باسم "الدوائر الحجرية المنصوبة".
وتشير هذه الدراسات بمجملها إلى أن المجتمعات في العصر البرونزي في شمال غرب شبه الجزيرة العربية؛ كانت أكثر تعقيدًا وارتباطًا بالمنطقة الأوسع مما كان يُعتقد سابقًا.
وتشرف الهيئة الملكية لمحافظة العلا على 10 مشاريع أثرية، بمشاركة 100 عالم آثار ومختص في العلا وخيبر ليسهم الاكتشاف بترسيخ مكانة العلا والمملكة كمركز عالمي للأبحاث الأثرية والحوار الثقافي، ويأتي الإعلان بعد انعقاد ندوة العلا العالمية للآثار 2024، التي أقيمت خلال الأيام الماضية، وشهدت مشاركة مجموعة متعددة التخصصات من علماء الآثار وخبراء التراث الثقافي من جميع أنحاء العالم حول موضوع "استشراف المستقبل: آثار وتراث المجتمعات المتنقلة عبر الماضي والحاضر والمستقبل".