سياسات الطاقة بين ترمب وهاريس
ذكرت سابقا أن اختلال منظومة الطاقة، وعدم استقرار إمداداتها في أي بلد ما، سيؤثر سلبا بلا شك في جميع الأنشطة الاقتصادية والنواحي الاجتماعية وغيرها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وعليه تعد قضية أمن الطاقة العالمي ليست قضية جوهرية، بل وجودية يجب التعامل معها، واستشراف مستقبلها بموضوعية. تقف الولايات المتحدة الأمريكية على بعد مسافة قصيرة من انتخاب رئيسها للفترة المقبلة، وبلا شك ينتظر العالم نتيجة هذه الانتخابات وأثرها في السياسة والاقتصاد العالميين، وآلية التعامل مع إدارة البيت الأبيض الجديدة.
في اعتقادي أن مرشحي الرئاسة الأمريكية يقفان على طرفي نقيض فيما يخص سياسة الطاقة، فلكل منهما توجها مختلفا تماما في التعاطي مع ملف الطاقة سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وهذا يتطلب الوقوف على هذه المفارقة، وسبر أغوارها، واستشراف أثرها في قطاع الطاقة العالمي. في رأيي أن "هاريس" هي امتداد لسياسات "بايدن" فيما يخص ملف الطاقة، التي تدفع نحو تقويض صناعة النفط والاستثمار فيه، وتدفع نحو تحول سريع للطاقة المتجددة.
في حال وصلت "هاريس" إلى البيت الأبيض سيستمر تقويض إنتاج النفط الصخري والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي سيؤثر سلبا في شركات النفط الصخري الأمريكية. في المقابل، وعلى النقيض إذا ما أدار "ترمب" دفة البيت الأبيض، سيدفع نحو رفع إنتاج النفط والغاز، وزيادة الصادرات الأمريكية منهما، التي أرى أنه تأثيرها سيكون محدودا في المدى المتوسط لأسباب فنية واقتصادية تتعلق باستدامة النفط الصخري.
استمرار سياسة "بايدن" من خلال المرشحة "هاريس" في حال تم انتخابها، سيكون له أثر سلبي في الوقود الأحفوري في المدى المتوسط في حال لم تراجع الإدارة الأمريكية هذا الملف بموضوعية، الذي قد يضع العالم أمام شح للطاقة يدفع بالأسعار نحو مستويات قياسية ستكون الولايات المتحدة الأمريكية أول من يكتوي بنارها كونها أكبر مستهلك للنفط في العالم! رحلة تحول الطاقة العالمية وما يصاحبها من قضايا تغير المناخ والاحتباس الحراري، هي طريق شائكة لا تحفها الورود، وأنه من غير المنطقي ومن غير العملي أن يحاك ثوب واحد ليناسب جميع الدول في التعاطي مع هذا الملف وهذا التوجه.
العوامل الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية والأمنية وغيرها تختلف من دولة لأخرى، ما يؤثر بطبيعة الحال في قدرة هذه الدول على التماهي مع التوجه العالمي فيما يخص تحول الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية. السؤال الجدير بالذكر كيف سيتعامل العالم فيما يخص سياسات الطاقة العالمية التي ستتبناها الإدارة الأمريكية الجدية؟ أعتقد أن أوبك بقيادة السعودية قادرة تماما بإذن الله على التعامل مع أي سياسات للطاقة تنتهجها الإدارة الأمريكية المقبلة بحكمة وموضوعية أثبتتها الأحداث السابقة، وستستمر في سياستها المتوازنة لاستقرار أسواق النفط وأسعارها عند مستويات مناسبة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء.