ميزانية بريطانيا .. لا قلق على الشعبية

كما كانت تاريخية الفوز الساحق لحزب العمال البريطاني، في انتخابات الصيف الماضي، كذلك هي أول ميزانية لهذا الحزب وهو في الحكم. ما تضمنته هذه الميزانية، يدخل ضمن نطاق رؤية العمال الاقتصادية، التي تقوم أساساً على زيادة الضرائب، ولا سيما على الشركات والأثرياء. إلا أن الحكومة الحالية بزعامة كير ستارمر، ورثت بالفعل اقتصاداً متهالكاً، من حكومة محافظين سيطرة على الحكم 14 سنة، أتى خلالها 5 رؤساء وزراء، ما تسبب في اضطراب اقتصادي أكبر.

فكل حاكم جديد له توجهاته بالنسبة للاقتصاد الوطني. إلا أن التوجه الأخطر الذي ترك آثاره المستمرة حتى نهاية العقد الحالي، كان بوجود ليز تراس رئيسة للوزراء لمدة 44 يوماً في السلطة، قدمت مزانيتها الأولى والأخيرة بخفض هائل في الضرائب، دون وجود تمويل حقيقي لها.

ميزانية الحكومة البريطانية الجديدة، قدمتها ريتشل ريفز أول امرأة وزيرة للمالية في تاريخ البلاد. وقد استند إلى حقيقة أنه لا يوجد ما يقلق الحكومة على الساحة الشعبية، وهي التي تتمتع بأكبر أغلبية برلمانية هائلة، يمكنها من تمرير كل الموازنات والقوانين وغيرها، دون الخوف مع الفشل.

ووفق الرؤية الاقتصادية العمالية، فإن الضرائب هي الأساس، لسد الثغرات المالية الكبيرة، ولا سيما أن حكومة ستارمر ورثت بالفعل اقتصاداً مهلهلاً، بعد 14 عاماً من حكم المحافظين الذي شهد تداول 5 رؤساء وزراء، كل واحد منهم بتوجه اقتصادي متباين. العجز كبير، والديون بلغ بحجمها قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وهناك ثغرة من 20 مليار جنيه إسترليني، ينبغي سدها في فترة أشهر.

في ظل هذا المشهد، هناك الضغوط التي لا تتوقف آتية من جهة الخدمات العامة المتهالكة حقاً، وهذا يعني أن على حكومة العمال البحث عن أموال للإنفاق، ورفع مستوى النمو إلى معدلات مقبولة في غضون فترة قصيرة.

فاقتصاد المملكة المتحدة، لا يزال متأثراً من خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وجائحة "كورونا"، والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، وغير ذلك من عوامل التراجع الاقتصادي. كان لا بد من فرض زيادة في الضرائب، هي الأكبر منذ 30 عاماً.

صحيح أن الميزانية الجديدة ليست شعبية، إلا أن هذا الجانب لا يقلق حكومة كير ستارمر على الأقل في الوقت الراهن، هو الذي يستند إلى تمثيل برلماني هائل، لا خوف من "متمردين"، ربما قد يظهرون في هذا المقعد البرلماني أو ذاك.

ما تحتاجه بريطانيا في الوقت الراهن، هو النمو. لكن حتى هذا الأخير، لا تكون له تأثيرات ملموسة قبل حلول نهاية العقد الحالي.

وترى هيئة رقابة الميزانية المستقلة، أن النمو في الأعوام المقبلة سيكون أقل مما سبق توقعه. فالإصلاحات الملحة تتطلب وقتاً، وقرارات صعبة. ولا توجد قوة حالياً، توقف ريتشل ريفز عن فرض زيادة الضراب بمقدار 40 مليار جنيه إسترليني سنوياً، من أجل سد الفجوة المتسعة من الميزانية.

ويأتي هذا من عدة مصادر، من بينها ضرائب الأرباح الرأسمالية والإرث، وأخرى على المستثمرين في الأسهم الخاصة، وعلى البريطانيين غير المقيمين، مع إضافة ضرائب جديدة على شركات النفط والغاز، ومستخدمي الطائرات الخاصة والمدارس. ناهيك عن رفع مساهمة الضمان الاجتماعي.

ستكون السنوات المتبقية من العقد الحالي، صعبة من الناحية الاقتصادية في البر البريطاني، والحجة الكبيرة لدى الحكومة، أنها تقوم بإصلاح الميزانية، وإزالة آثار "الأخطاء" التي حدثت في فترة وجود المحافظين في الحكم. لكن، على حكومة ستارمر أن تبقى متيقظة على المدى البعيد، بشأن القاعدة الشعبية التي تستند إليها.

فإذا زادت الضغوط، ولا سيما الضرائبية منها، ستتأثر مكانة العمال الانتخابية، الذين يتوجب عليهم العمل لتحقيق إنجازات سريعة قبل الانتخابات المقبلة، حيث يأملون الفوز بها، مستندين إلى تهالك حزب المحافظين المنافس الأول لهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي