خبراء دوليون لـ «الاقتصادية»: 4 مدن آسيوية تهدد مكانة «هونج كونج» كمركز أعمال عالمي
لطالما نظرت الشركات متعددة الجنسيات وكبار المستثمرين في العالم إلى هونج كونج كمركز أعمال عالمي بفضل موقعها الإستراتيجي، ونظامها الضريبي المنخفض، وإرثها كجسر بين الشرق والغرب، لكن يبدو أن هذه المكانة أصبحت مهددة من 4 عواصم آسيوية مجاورة.
ومع ذلك، أثارت التحولات الجيوسياسية والاتجاهات الاقتصادية الأخيرة تساؤلات حول مستقبل المدينة كمركز مالي دولي رائد، وسط تكهنات بشأن قدرتها على الحفاظ على مكانتها المميزة مع بروز منافسين ناشئين في آسيا.
يقول الدكتور إل. سي. جونسون، الخبير الاقتصادي المتخصص في الأسواق الآسيوية، لـ"الاقتصادية" "إن فرض قانون الأمن القومي في عام 2020 كان بمثابة نقطة تحول محورية لمشهد الأعمال في هونج كونج. ورغم أنه كان يهدف إلى ضمان الاستقرار، فقد أثار مخاوف بين الشركات متعددة الجنسيات بشأن القيود المحتملة على العمليات التجارية".
مع ذلك، فإن العامل الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لهونج كونج يكمن في الزيادة الملحوظة في أعداد المهنيين المهرة الذين يغادرونها بسبب الفرص الجديدة في مدن أخرى. وحتى الآن، تُعد سنغافورة المنافس الأبرز لهونج كونج، إذ تبدو مهيأة أكثر من غيرها لترث المكانة العالمية التي احتفظت بها هونج كونج لسنين.
علق روبي مور، المحلل المالي في بورصة لندن، لـ"الاقتصادية" قائلاً "لطالما اعتُبرت سنغافورة أقرب منافس لهونج كونج، وفي السنوات الأخيرة قطعت شوطًا كبيرًا لتعزيز دورها كمركز مالي رائد في آسيا. وبفضل الاستقرار السياسي، السياسات المواتية للأعمال التجارية، والنظام البيئي المبتكر للتكنولوجيا، أصبحت سنغافورة جذابة للشركات التي تبحث عن موطئ قدم مستقر في المنطقة".
لكن الأمر لا يقف عند سنغافورة فقط؛ إذ يبرز في آسيا ما يصفه الخبراء بـ"المنافسين المتخصصين"، وهم لاعبون جدد لا ينافسون هونج كونج بشكل كامل وفي جميع القطاعات، إدراكًا منهم أن قدرتهم الراهنة لا تسمح لهم بذلك. لذا، يركزون جهودهم على قطاعات معينة أملًا في أن يحلوا محل هونج كونج في تلك القطاعات.
وتُعد سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، والعاصمة التايلاندية بانكوك من أبرز المدن في مجال "اللاعبين المتخصصين". بينما تجذب سيول، بتقدمها التكنولوجي وقوتها العاملة المتعلمة تعليماً عالياً، قطاعي التكنولوجيا والابتكار بشكل خاص، فإن بانكوك تستثمر في المناطق الاقتصادية لجذب الاستثمار الأجنبي، وخاصة في مجال التصنيع والتجارة.
يعتقد البعض أن التحدي الحقيقي الذي يمكن أن تواجهه هونج كونج يكمن في اليابان، وتحديدًا العاصمة طوكيو، حيث تعمل الحكومة الحالية على تعزيز الجاذبية العالمية للمدينة. يعلق الخبير الاقتصادي دانييل زيشنر لـ"الاقتصادية" قائلاً "دخلت طوكيو السباق بقوة متجددة. إذ نفذت الحكومة اليابانية إصلاحات تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي، إلى جانب مبادرات جديدة لتعزيز البنية التحتية المالية للمدينة".
ويضيف: "طوكيو تسعى للاستفادة من بيئتها المؤسسية الراسخة وبراعتها التكنولوجية لتقديم نفسها كبديل لهونج كونج. ورغم أنها قد لا تتمتع بعد بالجاذبية الدولية الكاملة التي تتمتع بها سنغافورة، إلا أنها تحرز تقدمًا كبيرًا".
بطبيعة الحال، لن تقف هونج كونج صامتة أو مكتوفة الأيدي أمام تلك التحديات التي تسعى لانتزاع مكانتها الدولية. فالمدينة تمتلك خبرة واسعة في الخدمات المالية وتراهن على أنها بوابة لا مثيل لها للأسواق الصينية. وبالتالي، فإن القول بأن أيام هونج كونج كمركز تجاري عالمي تقترب من النهاية هو أمر معقد.
ولكن مستقبلها، خاصة في السنوات 4 المقبلة، يتطلب منها إدراك أن التوازن بين علاقاتها مع الصين من جهة، والحفاظ على قدر كافٍ من الاستقلال لجذب الشركات الدولية من جهة أخرى، هو ما سيحدد ما إذا كانت قادرة على البقاء منارة للتجارة العالمية أو أن تصبح مجرد مركز إقليمي آخر في ساحة مزدحمة. فالمؤكد أن رحلة هونج كونج المقبلة قد تكون صعبة، لكن قصتها لم تنته بعد.