واشنطن ولندن.. لصياغة المشهد التجاري
"ليس لدينا صديق أفضل من بريطانيا" جورج بوش الابن، رئيس الولايات المتحدة الأسبق
في زحمة حراك الحكومة العمالية البريطانية، لـ "تصويب" الوضع الاقتصادي المحلي، بحسب توصيفها للوضع العام، باتت عجلة التعاطي الاقتصادي المستقبلي مع الولايات المتحدة، أكثر سرعة، ومليئة بالأسئلة، مع فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. والحق، أن هذا الحراك يشمل أيضاً بقية الدول الأخرى، التي تخشى من عودة سريعة لما يمكن وصفه بـ "المواجهات التجارية"، لا سيما مع تأكيدات معلنة من جانب معسكر الرئيس المنتخب، بأن السياسات التجارية التي اتبعها في فترة رئاسته الأولى، ستكون هي ذاتها في فترته الثانية التي تبدأ عملياً في يناير المقبل. وضعية المملكة المتحدة تجارياً، تبقى حساسة في الوقت الراهن، لأسباب عديدة، في مقدمتها، تبعات خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، التي ستستمر لسنوات أخرى بكل تأكيد، ووصول حكومة عمالية إلى الحكم، بعد 16 سنة من حكم المحافظين.
في إحدى المرات قالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي "إنها مع ترمب، لا تعرف ماذا تتوقع". لكن هذا لا يستوي حقاً مع توجهات هذا الرجل. فهو واضح وصريح جداً، وفي الساحة الاقتصادية، ليس هناك أفضل من الوضوح، بصرف النظر عن طبيعة الخطاب وفحواه. ومن هنا، يمكن لبريطانيا "العمالية" التحرك للوصول إلى أفضل علاقة تجارية ممكنة مع أكبر اقتصاد في العالم، مع الإشارة إلى أن عملية بناء هذه العلاقة في ظل التحولات الراهنة، ستساعد بصورة أقوى الجهود التي تبذلها لندن حالياً، لتأمين اتفاق أكثر سلاسة مع الاتحاد الأوروبي، الذي ينتظر أيضاً "المواجهة التجارية" مع الولايات المتحدة. فواشنطن ابتداء من العام المقبل، ستكون مختلفة تجارياً عما كانت عليه في السنوات الأربع الماضية.
دونالد ترمب أعلن صراحة، أنه ينوي فرض رسوم جمركية 60% على الواردات الصينية، و ما بين 10 و20% على الواردات من البلدان الأخرى، بما في ذلك بريطانيا، التي تسعى إلى تخفيف ما أمكن من الضغوط الآتية من كل القطاعات الاقتصادية عموماً. الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق منفردة بالنسبة إلى المملكة المتحدة، ما يعني أن أي رفع للرسوم الجمركية، سيؤثر في لندن بشدة. وستعاني الأخيرة حتى المواجهة التجارية الجارية بين أمريكا والصين، نظراً لتأثيراتها المقلقة في ساحة سلاسل التوريد. ولذلك فالعمل من أجل علاقة أكثر توازناً بين لندن وواشنطن، يشكل البند الأول حالياً على الساحة البريطانية. علماً بأن المسؤولين البريطانيين السابقين، فشلوا في تأمين اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة في ظل إدارة جو بايدن، بسبب رؤية الأخير السلبية تجاه "بريكست".
الخيارات ليست كبيرة أمام الحكومة البريطانية بهذا الشأن. لكن يمكنها فعلاً أن تحقق خطوات لصالحها مع الجانب الأمريكي، مستندة إلى وجودها خارج نطاق الاتحاد الأوروبي. فترمب أعلن مراراً، أنه يدعم بقوة "بريكست"، وأنه يشجع دولا أخرى على الانفصال عن الكتلة الأوروبية، التي تعد ثالث أكبر كيان بعد الولايات المتحدة والصين. لكن، حتى لو تحقق ذلك، فإن بريطانيا ستتضرر من أي خطوات انتقامية من جهة البر الأوروبي. السفير البريطاني السابق لدى الاتحاد الأوروبي إيفان روجرز، يعتقد (مثلاً)، بأنه يتوجب على بريطانيا الاختيار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في المرحلة المقبلة. ما يؤكد مجدداً المرحلة الحساسة التي تمر بها لندن بحكومتها العمالية الجديدة.
المرحلة المقبلة ليست سهلة أمام المملكة المتحدة. فالعلاقة الخاصة التي جمعتها لعقود مع الولايات المتحدة، لم تعد كذلك، وعليها العمل لتحقيق أكبر عائد لها وسط أمواج اقتصادية متلاطمة في برها وبحرها.