صعود مرتقب للتضخم والبطالة عالمياً مقابل تباطؤ النمو

تشير التقديرات الأولية للآثار المترتبة على ما أعلنه الرئيس العائد مجدداً للبيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان من أبرزها؛ عزم دونالد ترامب على رفع الرسوم الجمركية على واردات الصين بنسبٍ قد تصل لبعضها إلى 100%، وفرضه مزيداً من التكاليف على حلف الناتو، إضافةً إلى جزء كبير من الإنفاق الحكومي السنوي للحكومة الفيدرالية، وخفض الضرائب على الشركات، وطرد عشرات الملايين من المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة العمالة على الشركات.
وهي السياسات التي من شأنها أن تعيد بمسار التضخم نحو الارتفاع مجدداً بكل تأكيدٍ طوال الأعوام القليلة المقبلة،وتدفع أيضاً الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة مجدداً لمواجهة تصاعد التضخم، بغض النظر عن الصدام المرتقب بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي في هذا الشأن، الذي يعني مجرد حدوثه في أحواله المختلفة أمراً سلبياً للاقتصاد الأمريكي ولاستقراره.
تأتي هذه المرحلة الحاسمة من عمر الاقتصاد الأمريكي والعالمي أيضاً، في الوقت الذي يشهد خلاله العالم المعاصر اليوم نحو 56 صراعاً حول العالم، وتشارك خلاله 92 دولة في حروبٍ وصراعاتٍ خارج الحدود كأكبر عددٍ من الصراعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى تحمّل الاقتصاد العالمي لأعباء دين عام عالمي سيناهز بحلول نهاية العام الجاري سقف 104 تريليونات دولار أمريكي كأعلى مستوى له في التاريخ (93% من الناتج الإجمالي العالمي)، وسط ترقبٍ عالي الوتيرة لحربٍ تجاريةٍ وشيكة بين أكبر اقتصادين حول العالم الولايات المتحدة والصين، ألقت بظلالها على توقعات صندوق النقد بمزيدٍ من القلق وعدم الثقة، ما دفع به إلى خفض توقعاته تجاه النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو والصين، وامتد خفض تقديراته أيضا إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البقعة من العالم التي تأثرت ولا تزال بالتداعيات العكسية للحرب الدائرة الآن في تلك المنطقة الحيوية من العالم.
قد يبدو الأمر محل شكٍ لدى الكثير، إلا أنّ الخسائر اللافتة التي لحقت بكلٍ من الذهب والنفط مع اللحظات الأولى لنتائج الانتخابات الأمريكية، أكّدت إلى حدٍ بعيدٍ جداً تأهب المتغيرات المعاكسة للبنوك المركزية والأسواق والمستثمرين لاتجاهها على نحوٍ لا تريده السفن، وأنّ تقلباتٍ حادة للأسواق العالمية في طريقها إلى الحدوث، الذي سيكون له انعكاساتٍ غير مواتية على استقرار الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية على حدٍّ سواء، وما قد يجرّه ذلك من انعكاساتٍ أشد مرارة على التضخم والبطالة بالارتفاع.
لا بد أن تتخذ تجاهها البنوك المركزية حول العالم سياساتٍ نقدية متشددة، وهو الأمر البالغ الصعوبة في ظل ضعف معدلات النمو الاقتصادي وانكماش النشاطات الاقتصادية وتصاعد البطالة، هذا عدا احتمالاتٍ أقوى بمواصلة عجز أغلب ميزانيات الحكومات بالارتفاع، الذي سيلحقه ضمنياً تسارع حجم الديون الحكومية ونموها بمتوسط معدل سنوي يتجاوز 6% على أقل تقديرٍ وفقاً لأحدث تقديرات صندوق النقد الدولي! كل تلك المتغيرات وغيرها مما قد ينشأ كتحدياتٍ مناخية وبيئية غير واردة في الحسبان.
ستضاعف في مجملها من الضغوط والتحديات على كاهل الحكومات حول العالم اقتصادياً ومالياً ونقدياً، ويضع بدوره الأسواق عموماً تحت مطارق متعددة من الصدمات والتقلبات غير المحسوبة مخاطرها بتقديرات الأرقام المتوافرة الآن، ويضع الجميع أمام عدساتٍ تشوبها الضبابية أكثر منه وضوح للرؤية، وهذا بعينه ما سيكون محط اهتمام ومتابعة الجميع طوال الفترة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي