الاستثمار في زمن حروب الرسوم الجمركية
الأمر المؤكد أنه لا أحد يعلم كيف ستسير الأمور في السنوات المقبلة في ظل انتعاش حروب التعريفات الجمركية، التي من المؤكد أن الرئاسة الأمريكية الجديدة مستمرة فيها وسط تصعيدات وتهديدات من جميع الأطراف، بل إن المسألة الآن ليست فقط بين الصين وأمريكا، بل إنها تنتشر في كل مكان، وتشمل رسوما جمركية إضافية على واردات أمريكا من الدول الأوروبية. كيف للمستثمر الفرد التعامل مع هذه التغيرات؟ وهل من أسهم معينة مرشحة للاستفادة من تزايد الرسوم الجمركية؟ وما تأثير ذلك في الإنتاج وفي الأسعار ومستويات التضخم؟
بداية، من منظور اقتصادي بحت، فمن المعروف أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، ونتيجة لذلك يحدث هناك تحرك في منحنى العرض بحيث يصبح تقاطعه مع منحنى الطلب إلى اليسار الأعلى، أي ارتفاع السعر وانخفاض الكمية، وهي الظاهرة التي تدارسها الاقتصاديون منذ عشرات السنين وعرف أنها تؤدي إلى اختلال قوى العرض والطلب، ومع ذلك يستفيد منها المنتجون داخل الدولة نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة الإنتاج المحلي، وتستفيد كذلك الحكومات من الضرائب المحصلة، وبطبيعة الحال يقوم المستهلكون بدفع تلك الفروقات، على الأقل على المديين القصير والمتوسط. أما على المدى الطويل فهناك فوائد في أن هذه الرسوم تدعم الصناعات المحلية وتقوي الاقتصاد المحلي وتجعله يعتمد على نفسه، وهذا سبب الاتجاه نحو هذه الإجراءات في كثير من الدول.
الحرب على التجارة الصينية ليست فقط من أمريكا، بل إن هناك شبه اتفاق لدى كثير من الدول على أن ترك الصين بلا قيود سيؤدي إلى أضرار اقتصادية بالغة في هذه الدول، وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي وكندا، بل حتى بعض الدول الصديقة للصين كدول مجموعة بريكس لديها مخاوف من البعبع الصيني، كما أن تركيا رفعت رسومها الجمركية المتعلقة بالسيارات الكهربائية بنسبة 40% إضافية، حماية لصناعتها المحلية. هذه الدول تدرك الأضرار التي تلحق حساباتها الجارية في ميزان المدفوعات نتيجة اختلال الموازين التجارية لمصلحة الصين، ومع ذلك كثير من الشركات الأمريكية والأوروبية تعارض هذه الرسوم لأن هذه الشركات تتضرر منها بشكل مباشر، فكثير من الشركات العالمية الكبرى تعتمد على الصين كمستهلكة لمنتجاتها وكأرض خصبة لإقامة مصانعها، ما يعني أن الرسوم الجمركية تصبح في كثير من الأحيان رسوما على الشركات المحلية.
لذا تحاول الصين الالتفاف على هذه الرسوم بطرق عديدة، أبرزها إقامة مصانع داخل أوروبا وأمريكا قدر الإمكان، كما تعمل شركة بيد للسيارات وبعض شركات البطاريات، أو التوجه نحو الدول القريبة مثل إفريقيا وتايلاند وفيتنام أو المكسيك على وجه الخصوص للاستفادة من تجارتها الحرة مع الولايات المتحدة، إلى جانب التلاعب بهوية بلد المنشأ وإعادة التصدير في حالات أخرى. والعملية ليست سهلة، ففي الجانب المكسيكي هناك تحديات في تحديد مستوى الرسوم المفروضة على المنتجات المكسيكية المصدرة إلى أمريكا، فالإعفاءات الجمركية من المفترض أن تشمل ما صنع في المكسيك فقط، بينما في كثير من الحالات يكون المنتج عبارة عن قطع عديدة منتجة في أماكن مختلفة حول العالم، معظمها تأتي من الصين مباشرة.
بالعودة إلى الاستثمار في أسهم الشركات التي قد تستفيد من رفع الرسوم وغيرها من إجراءات حمائية، فالشركات الأمريكية المتضررة منذ سنوات طويلة من المنافسة الصينية هي شركات الحديد والألمنيوم والمنسوجات والملابس والمنتجات الإلكترونية والآليات الصناعية والزراعية والأثاث وألعاب الأطفال، وفي السنوات الأخيرة ألواح الطاقة الشمسية، وفي جميع هذه المجالات حدث فقدان كبير في الوظائف الوطنية وخسائر مالية لهذه الشركات. لذا من الممكن النظر إلى أي من هذه المجالات والبحث عن أبرز الشركات العاملة فيها ودراسة مدى استفادتها من تلك التغيرات، ففي مجال الحديد هناك شركة نيوكور، وشركة ألكوا في صناعة الألمنيوم، وشركة دير للآليات الزراعية، إلى جانب شركات في مجالات أخرى ستكون أقل تأثراً بالرسوم الجمركية نتيجة وجود بنى تحتية قوية لديها وعلاقات مع موردين دوليين متعددين، كشركة ولمارات وبعض شركات الرعاية الصحية. ومن يبحث عن فرص البيع على المكشوف فهناك شركات تعتمد على المنتجات الصينية بشكل رئيسي، وهذه ستتضرر بدرجات متفاوتة بحسب مقدرتها على تمرير التكاليف للمستهلكين ومقدرتها على الاعتماد على مصادر بديلة.