مترو الرياض .. قطار سريع نحو التغيير الاقتصادي
أي مشروع إنشائي سواء مبنى أو طريق أو وسيلة مواصلات، هو بمثابة أداة لتغيير وجه المدن وتغيير النمط الاقتصادي والاجتماعي للسكان، فالبنية التحتية تؤثر في الإنسان وتشكل سلوكه.
كانت تلك هي القاعدة التي وضعتها المعمارية الراحلة زها حديد أثناء عملها كأستاذة في جامعة هارفارد، وهو ما سينطبق على العاصمة السعودية التي تشهد افتتاحا جزئيا لمترو الرياض الذي يعد مشروعا استثنائيا وتاريخيا من الناحية الهندسية، كما يعد غير مسبوق من ناحية آثاره الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة.
وكان مصدر مطلع كشف لـ"الاقتصادية"، أن الافتتاح الجزئي لمترو الرياض يشمل 3 مسارات في المرحلة الأولى وهم من العروبة إلى البطحاء وطريق مطار الملك خالد ومحور تقاطع عبدالرحمن بن عوف والشيخ حسن بن حسين بالطاقة الكاملة، أما الثلاث مسارات الأخرى ففي منتصف ديسمبر وهم محطات طرق الملك عبدالله والمدينة والملك عبدالعزيز.
ومترو الرياض الأطول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ6 محاور رئيسية وإجمالي طول يصل إلى 176 كيلو مترا و84 محطة، يعتمد على التشغيل الآلي الكامل بأعلى تقنيات الأمان التي تعمل بأجهزة الاستشعار المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
وجسد المشروع حلم سعودي استمر 12 عاما منذ أن تم إقراره في 2012 من قِبل مجلس الوزراء آنذاك، وفي 2013 تم توقيع عقوده مع 3 ائتلافات عالمية بقيمة إجمالية 22.5 مليار دولار، لكنه تعرض لعدة تحديات آخرها جائحة كورونا التي عطلت مشاريع كثيرة في كل دول العالم.
اقتصاديًا يعد مترو الرياض من أكثر المشاريع المتوقع نجاحها، فبسببه سيتم خفض التلوث بنسبة 36% في العاصمة السعودية بجانب تقليص عدد المركبات على الطريق، ووفقًا للهيئة العامة للطرق سيحد هذا من تهالك الطرق ويقلل من فاتورة صيانتها التي تتكلف ملايين الدولارات سنويًا.
أما الركاب فستشملهم المكاسب، لأن رحلات المترو الجديد ستقلص مدة ذهابهم إلى العمل من ساعة كاملة إلى 20 دقيقة على الأكثر ما يعني زيادة في الإنتاجية والكفاءة وتسريع الأعمال التجارية.
الفوائد الاقتصادية ستشمل أيضًا أصحاب العقارات القريبة من محطات مترو الرياض، التي سيرتفع ثمنها بسبب وجودها بالقرب من مرفق إستراتيجي ما ينعكس بالزيادة على إيرادت الدولة، إضافة إلى جذب الشركات التي تلجأ عادة إلى افتتاح مقرات أو أفرع لها بالقرب من محطات المترو، فهذا يجعل الوصول إليها سهل.
كما أن وجود الشركات في مكان يمر من خلاله مئات الآلاف يوميًا هو في حد ذاته حملة إعلامية يومية بدون تكلفة، ناهيك عن جذب مزيد من السياح الذين يفضلون المدن التي يسهل التنقل فيها، وفرص العمل التي سيتم توفيرها مع كل توسعة للمترو.
لم يقتصر أثر مترو الرياض في الاقتصاد فقط، بل امتد إلى الناحية الاجتماعية إذ من المتوقع أن يتغير نمط حياة سكان الرياض بداية من استنشاق هواء أفضل بعد انخفاض التلوث، ووصولًا إلى زيادة الألفة والتضامن بينهم، وهذا ما أكدته دراسة تناولت المدن الصينية قبل وبعد إنشاء المترو.
واتضح أن وسيلة المواصلات تلك تخلق احتكاك يومي بين مختلف فئات المجتمع وهذا يعزز من انتماء الفرد لوطنه ويزيد من معرفته الجيدة بأهل مدينته عكس المركبات الصغيرة والمتوسطة التي ترسخ فكرة الفردية، كما أن سرعة التنقل تجعل المواطنين ملتزمين في مواعيدهم وهذا يمنحهم وقت أكبر للراحة للاستمتاع بمدينتهم التي وعد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاؤه مع الإعلامي عبدالله المديفر عام 2021 بأن يجعلها ضمن أفضل 10 مدن مليونية في العالم من حيث سهولة التنقل.