صانعات صفقات سعوديات جدد يتألقن في اقتصاد حجمه تريليون دولار

صانعات صفقات سعوديات جدد يتألقن في اقتصاد حجمه تريليون دولار
خلود الدوسري في مكتبها المطل على العاصمة الرياض، السعودية، 13 أكتوبر 2024. الجيل الجديد من القياديات السعوديات يحقق تقدماً غير مسبوق في عالم الأعمال والتمويل - بلومبرغ

نشأت مريم البسام في المملكة العربية السعودية في زمن لم يكن يُسمح للنساء بقيادة السيارات، ولم يكن بمقدورهن الحصول على جوازات سفر خاصة بهن أو السفر دون إذن من ولي أمرهن.

عندما كانت في السادسة من عمرها، اصطحبها والدها، وهو جندي سعودي متقاعد أصبح لاحقاً رجل أعمال، إلى اجتماعات عمله، لكنه أخبرها أنه سيتعين عليها التعوّد على كونها الفتاة الوحيدة على طاولة الاجتماعات. وعندما حصلت على أول وظيفة لها في عام 2013، كانت السيطرة على الاقتصاد ما زالت بيد الرجال. 

ولكن في عام 2018، بدأت رياح التغيير تهب. أصبحت السعودية آخر دولة في العالم تسمح للنساء بقيادة السيارات. وفيما بعد، أعلنت عن إصلاحات شملت السماح للنساء بتأسيس أعمال دون الحاجة إلى موافقة الرجل، والعمل أثناء الحمل، والسفر بشكل مستقل. وخلال أربع سنوات، تضاعفت تقريباً نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لتصل إلى حوالي 37%.

واليوم، تبحث البسام عن صفقات لصالح شركة رأس المال الجريء "غرافين فينتشرز" (Graphene Ventures) بصفتها مديرة رئيسية للشركة في الرياض. كما أصبح هناك نساء أخريات يتقلدن مراتب عليا في عالم المال والأعمال، ويتداولن الأسهم، ويبرمن صفقات الاندماج، ويدرن الشركات. وقالت البسام: "نصبح أكثر انفتاحاً، ونتخذ مساراً مختلفاً في التمكين".

تُظهر مقابلات نادرة أُجريت مع حوالي 12 من القيادات النسائية البارزة في السعودية، تحولاً جذرياً في بلد كان يضم عدداً قليلاً من النساء العاملات قبل عقد من الزمن. بعضهن لم يسبق لهن الحديث للإعلام، وقد وافقن على إجراء مقابلات مسجلة لرغبتهن في تسليط الضوء على التقدم المحرز. أما من طلبن عدم الكشف عن هوياتهن لعدم رغبتهن في مناقشة حياتهن بشكل علني، فقد أبدين أيضاً تفاؤلاً كبيراً بشأن آفاق النساء السعوديات في سوق العمل.


ميزات تضييق الفجوة
على الصعيد العالمي، أبرز الاقتصاديون الفوائد المالية لتضييق الفجوة بين الجنسين في سوق العمل، وهو هدف لم تتمكن حتى الدول المتقدمة من تحقيقه بالكامل. ففي الولايات المتحدة، حيث اكتسبت قضايا النوع الاجتماعي اهتماماً كبيراً وسط فشل محاولة نائبة الرئيس كامالا هاريس الانتخابية، لا تزال نسبة النساء في القوى العاملة أقل من معدلات ما قبل الجائحة التي بلغت 58%، وفقاً لغرفة التجارة الأمdريكية.

السعودية الغنية بالنفط، وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بإجمالي ناتج محلي سنوي يبلغ 1.1 تريليون دولار، من الدول القليلة التي تُظهر فوائد تعزيز المساواة بين الجنسين. وقد أدى التقدم المحرز للمرأة وحده إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 12%، وفقاً لـ"كابيتال إيكونوميكس". وتتوقع "إس آند بي غلوبال" أن يؤدي زيادة مشاركة النساء في سوق العمل إلى إضافة 39 مليار دولار للاقتصاد السعودي خلال العقد المقبل، فضلاً عن دفع نمو قطاعات جديدة مثل التمويل.

 

على الرغم من أن المملكة حققت نمواً مذهلاً في معدل مشاركة النساء في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال خلف اقتصادات مثل الولايات المتحدة والصين والإمارات. مع ذلك، تشعر العديد من النساء السعوديات اللواتي يتذكرن أوقاتاً سابقة، أن هناك الآن فرصاً أكثر من أي وقت مضى لإثبات بصماتهن في سوق العمل والاقتصاد.

وأفادت الحكومة بأن نسبة النساء في المناصب الإدارية العليا والمتوسطة في المملكة بلغت حوالي 44% خلال الربع الأول من العام الجاري.

 

إليكم ما قالته تنفيذيات سعوديات عن إنجازاتهن وتحدياتهن ورؤيتهن للمستقبل:




مريم البسام - بلومبرغ


صانعة الصفقات
مريم البسام هي مديرة رئيسية في شركة رأس المال الجريء "غرافين فينتشرز" ومقرها في الرياض. بدأت مسيرتها المهنية من خلال التدرب في وكالة إعلانات عام 2013،وسرعان ما استعادت شعوراً مألوفاً تمثل في الحضور إلى قاعات العمل المليئة برجال يسيطر عليهم شعور التشكيك في قدرات النساء.

وقالت: "لماذا تتولى امرأة هذه المهمة؟ أليس الرجال أكثر دراية؟ حقيقة أنني استطعت إنجاز العمل أثارت إعجابهم".

في ذلك الوقت، كانت السعودية قد بدأت تخفيف القواعد الصارمة التي تفصل النساء عن الرجال في أماكن العمل، رغم أن العديد منهن كن لا يزلن مقيّدات بأماكن مخصصة. اليوم، أصبحت المكاتب في الرياض لا تختلف كثيراً عن نظيراتها في لندن أو نيويورك، باستثناء أن العديد من النساء السعوديات ما زلن يرتدين العباءة، بسبب معتقداتهن.

خلال عملها في شركة ناشئة في عام 2018، عاصرت البسام تحولاً ملموساً، فقد تحوّلت الأسئلة إلى نقاشات حول الشمولية، وبدأت زميلاتها النساء يظهرن اهتماماً أكبر بالعمل.

على الرغم من ذلك، قالت إن العديد منهن ما زلن بحاجة إلى مزيد من المهارات، ولا تزال الصور النمطية عن النساء قائمة. أثناء مشاركتها في برنامج تدريبي للإداريين التنفيذيين في نيويورك، قال لها أحد الرجال: "لم أكن أعلم أن الكثير من السعوديات ماهرات في حل المسائل الرياضية".

قالت البسام: "ما زال الناس يتساءلون عنا. يعتقدون أن النساء في السعودية يعشن في الخيام ويتنقلن على ظهور الجمال. نحن بالتأكيد لا نفعل ذلك، لكن هذه الصورة النمطية موجودة."

أغلب النساء اللواتي أجرينا معهن مقابلات أكدن أن التعليم، والشخصيات النسائية الملهمة، والدعم من الوالدين كانت عوامل أساسية في نجاحهن. درست البسام في جامعتي "كولومبيا" و"هارفارد"، وهي الآن تتابع دراستها للحصول على ماجستير إدارة الأعمال، بينما تواصل شغفها في الشركات الناشئة والتكنولوجيا المالية من خلال دورها في "غرافين فينتشرز". وأضافت: "الأمر متروك الآن لنسائنا."


الاستشارية



هالة القدوة - بلومبرغ

هالة القدوة، الشريكة الأولى في "برايس ووترهاوس كوبرز"،  معظم مسيرتها المهنية في الظل. لكنها كانت مدفوعة بشعور بتحقيق الهدف والثقة، بفضل عائلة أرسلتها للدراسة في المملكة المتحدة، وهي بعمر 16 عاماً.

قالت القدوة: "لم يزعجني أن أظل بعيدة عن الأضواء. فقد أصبح عدم الظهور أمراً طبيعياً بالنسبة لي. ما كان مهماً هو النجاح، لأتمكن من إرساء سابقة للأخريات ليحققن النجاح".

واليوم، تعيش القدوة في مجتمع سعودي أكثر انفتاحاً مما كانت تتخيل أنها ستراه في حياتها. وتعتقد أن المزيد من الإدماج وبرامج تمكين النساء ومواءمة مهاراتهن باحتياجات السوق، هو الوصفة المثلى لتحقيق مزيد من التقدم للمرأة.

أضافت: "سيكون تقدمنا على شكل قفزات متسارعة بدلاً من منحنى تدريجي. يجب أن يتماشى ذلك مع دورة النضج في البلاد ومع التحرك نحو وظائف مرتبطة بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات."

وترى القدوة أن النساء بحاجة إلى مسار أقوى نحو القيادة،  وهو رأي حظي بقبول لدى النساء اللواتي أُجريت معهن مقابلات لهذا التقرير. ورغم إدراكها لاستمرار بعض الآراء المحافظة، فإنها تتوقع أن تتغير تلك المواقف مع مرور الوقت.

قالت: "الجيل القادم سينشأ على أيدي نساء عاملات؛ لذا سيكون هذا التغيير انتقالياً. لن يكون هذا عائقاً دائماً، وسيتلاشى مع الوقت".


متخصصة الأرقام




نورة عبد الله المرزوق - بلومبرغ


نورة عبد الله المرزوق، المديرة التنفيذية للحسابات في شركة "إنجي" (Engie) لإدارة وتشغيل محطة "ضرماء"، تنحدر من عائلة بارعة في مجال الرياضيات بالمنطقة الشرقية بمدينة الدمام بالقرب من حقول النفط الشاسعة التي عززت خزينة الحكومة لعقود.

أصرت المرزوق على إثبات قدرتها في مواكبة التطور، فانتقلت إلى العاصمة الرياض لمتابعة دراستها في المالية والمحاسبة بجامعة "الأميرة نورة بنت عبدالرحمن". وقالت: "كل فرد في عائلتي يتمتع بمهارة فائقة في الرياضيات. أحياناً أعتقد أنني اخترت تخصص المالية لأتفوق عليهم".

وجدت المرزوق الدعم من عائلتها عندما طلبت الانتقال بعيداً عن المنزل، وكذلك عند استقرارها في الرياض. وأشارت إلى أن هذا ليس الحال دائماً، موضحة أن أحد العوائق أمام تعزيز مبادرات تمكين المرأة قد يكمن في إقناع العائلات الأكثر تحفظاً. 

وقالت: "هناك صورة نمطية بأن المرأة لا تستطيع التفكير بمفردها. لكنني أعتقد أننا حققنا تقدماً هنا. لقد حدث تغيير كبير." وتأمل المرزوق أن يبدأ المزيد من الناس في الإيمان بقدرات النساء السعوديات، حتى تتاح لهن فرص متساوية لاكتساب المزيد من الخبرات.


الخبيرة المالية




خلود الدوسري - بلومبرغ


خلود الدوسري، رئيسة شركة "نورذرن ترست" في السعودية، عادت إلى المملكة في عام 2009 بعد أن قضت معظم حياتها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا. تستذكر فترة كانت فيها الفرص محدودة وقالت: "لم يكن الطموح لتولي القيادة أمراً وارداً على الإطلاق".

لكن بعد سنوات من العمل في مكتب عائلي، عُرض عليها الانضمام إلى مجلس إدارة "نورذرن ترست" السعودية، وتولت منصب رئيسة الشركة في المملكة عام 2022. وأكدت الدوسري أن فضولها، وتجاربها المتنوعة، وتوجيهات المرشدين كانت عوامل أساسية في نجاحها.

وترى الدوسري أن توفير فرص الإرشاد والتوجيه للنساء أمر حاسم لمستقبل القيادات النسائية في السعودية، إلى جانب الدروس التي يتعلمنها في المملكة. وأعربت عن أملها في أن تحرص العائلات الشابة على تعليم بناتهن اتخاذ المزيد من المخاطر المدروسة.

بالنسبة للمستقبل، تطمح الدوسري إلى أن ترى السعودية تصدّر مواهبها إلى العالم. وقالت: "هذه هي المرحلة التالية في رحلتنا. ربما نرى في يوم ما امرأة سعودية تتولى منصب الرئيسة التنفيذية لشركة عالمية".

الأكثر قراءة