المراجعة الخارجية والداخلية ومشكلة السلوك
أخيرا اعترفت مهنة المراجعة في الولايات المتحدة أن للمراجعة مشكلة سلوكية، يجب النظر لها من هذا الجانب، المسألة ليست مجرد معايير وتقرير، هناك دوافع وسلوك، وهناك محفزات وعوائق، جميعها تشكل ثقافة، والثقافة تشكل سلوكا، التلاعب في الثقافة يؤدي إلى فشل المراجعة، مهما قلت عن المعايير وعن الإطار الفكري، المراجعة تعمل في وسط اجتماعي، سواء كان هذا الوسط هو مكتب المراجعة نفسه أو مقرات العميل.
يجب عدم التغافل عن ذلك. يأتي اعتراف المهنة بهذه الحقيقة متأخرا بشكل ملفت، لكنه أتى على كل حال مع صدور آخر تقرير لمجلس شركة الرقابة PCAOB، بعنوان رؤى حول الثقافة وجودة المراجعة (Insights on Culture and Audit Quality) الذي صدر هذا الشهر ديسمبر 2024، وقد عُرفت الثقافة بأنها مجموعة من المواقف والقيم والأهداف والممارسات المشتركة، التي تميز المنظمة على كيفية تأسيس سمعة المنظمة وإدارة فرقها والحفاظ على الإنتاجية.
الثقافات الصحية تساعد على الازدهار، في حين أن الثقافات غير الصحية تؤدي إلى ضعف الأداء وربما أسوأ. الثقافة هي التي تحدد كل شيء بدءًا من الأشخاص الذين توظفهم إلى العمليات اليومية وتصل حتى الإستراتيجية طويلة الأجل.
تعترف المهنة أخيرا، بأن مكتب المراجعة هو في الأصل شركات تسعى للربح، وهنا تظهر المشكلة الثقافية والسلوك عندما يتم تحديد نغمة العمل، فمع السعي للربح هنا مسؤولية لضمان الاستقلال والنزاهة والمحافظة على الشك المهني، وتتناقص الثقافة مع المهنة إذا قالت القيادة شيئًا ما ولكنها تكافئ شيئًا مختلفا عنه. وقد رسم تقرير مجلس الرقابة إطارا للثقافة تمثل في 3 عناصر وهي: السلوك (Behavior) ويتضمن الإجراءات التي تعكس النغمة في القمة وتظهر في الاستجابة المناسبة للمواقف مثل مواجهة ضغوط العملاء ومطالبهم، والشجاعة في القيادة أو التحدث أثناء المواقف الصعبة.
العنصر الثاني، القرارات التي تظهر في استجابة المكتب لسلوكيات معينة، بما في ذلك قرارات مكافأة أو محاسبة فريق المراجعة بشكل سلبي. والعنصر الثالث، يظهر في أنظمة وهياكل مكتب المراجعة ومن ذلك وجود نظام وسياسات وإجراءات وهياكل تنظيمية وأنظمة إدارة الأداء والأخلاقيات وقواعد السلوك.
هذه القضايا المهمة جدا هي محور الرقابة على مكاتب المراجعة اليوم، فالمسألة لم تعد رقابة الأداء التقليدية، التي تركز على مسائل التوثيق والمعايير بقدر ما تبحث عن الثقافة التي تعم المكتب من خلال هذه الوثائق، إن المكاتب قد تلتزم بجودة ظاهرية في أوراق العمل، بل لقد أصبح الجميع يجيد اللعبة جيدا، فيمكن إعداد أوراق العمل حتى قبل بدء المهمة أو حتى بعد الانتهاء منها بشهور، لكن لا أحد يراقب العمل فعليا.
فلا يوجد نظام رقابة على السوك حقيقي، وكما أشار التقرير فإن لمكافآت في نهاية العام مرتبطة فقط بما حقق الموظف من عمليات وكم ساهم في الربح بعض النظر عن المهنية ذاتها والاحترافية في العمل.
هذه المشكلة العميقة جدا في المهنة التي سبق لي التحذير منها كثيرا، وركزت في أبحاثي على هذه المسائل مباشرة لكن مع ذلك فإن الجميع غارق في الإجراءات الروتينية الجوفاء، حتى أصبحت المهنة غير مهنية أصلا، وهذا ما تحقق من أعمال ودراسات مجلس الرقابة الأمريكي، حيث اكتشف أنه كلما ضعفت الثقافة في المكتب تزايدت المخالفات بأنواعها بغض النظر عن أوراق العمل الموجودة وتفاصيله الباهتة.
ما هو صحيح على مستوى مهنة المراجعة الخارجية صحيح أيضا على مستوى مهنة المراجعة الداخلية وتأكيد الجودة وأي أعمال ومهام تأكيد أخرى، المسألة ليس أوراق عمل ومعايير أداء، وهي مهمة لا شك، لكن يجب أن تكون مهمة ضمن ثقافة عامة وسلوك. نحتاج إلى مزيد من العمل في هذه المسألة بالذات، ينقصنا الكثير من الأبحاث، والمؤتمرات لفهم أكثر عمقا، ويجب أن نبدأ بتعديل طرق وأساليب الرقابة على الأداء وفقا لهذا المنظور الجديد والمهم.