شكوك بشأن جدوى تخفيضات ترمب الضريبية على الاقتصاد الأمريكي

شكوك بشأن جدوى تخفيضات ترمب الضريبية على الاقتصاد الأمريكي

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أن تمديد التخفيضات الضريبية سيعزز الاستثمار ويدفع عجلة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وهو تعهد لعب دوراً كبيراً في فوزه بالانتخابات الأخيرة في نوفمبر.

لكن تحليلا جديدا صادرا عن لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي جهة رقابية مالية غير حزبية، يحذر من أن تمديد التخفيضات الضريبية المقرر انتهاؤها العام المقبل قد يكون تأثيره ضئيلا على النمو الاقتصادي.

يمثل هذا الاستنتاج صدمة للجمهوريين الذين يدافعون عن التشريعات المكلفة باعتبارها وسيلة لتحفيز الاقتصاد الذي يشعر العديد من الناخبين بأنه لا يلبي احتياجاتهم.

تستهدف معظم التدابير المرشحة للتجديد، الأفراد والأسر، بما في ذلك خفض معدلات ضريبة الدخل وتوسيع الائتمان الضريبي للأطفال. وبينما تلقى هذه الإجراءات قبولاً لدى الناخبين، يحذر الاقتصاديون من أن تأثيرها على الاقتصاد محدود. ويؤكدون أن تخفيض الضرائب على الشركات هو العامل الأكبر في تعزيز الاستثمار.

تأثير محدود على النمو الاقتصادي

التخفيضات الضريبية للشركات التي أدرجت ضمن قانون الضرائب لـ 2017 الذي وقعه ترمب خلال ولايته الأولى ليست مدرجة ضمن البنود المقرر تجديدها. ومع ذلك، تعهد ترمب خلال اجتماعه مع المانحين وقادة الأعمال في بورصة نيويورك بخفض معدل الضرائب على الشركات إلى 15 %، وهو إجراء يراه البعض محفوفاً بالمخاطر، خاصة مع اعتراض بعض الجمهوريين والناخبين على تقديم مزيد من الدعم للشركات الكبرى.

استند تحليل لجنة الميزانية الفيدرالية إلى تقييم مكتب الميزانية في الكونغرس، الذي نظر سابقا في نتائج عدم تمديد التخفيضات الضريبية. وأظهر هذا التحليل أن السماح بانتهاء التخفيضات الضريبية يمكن أن يعزز المالية العامة عبر تقليص العجز التراكمي بمقدار 3.7 تريليون دولار خلال عقد.

ستقلل زيادة الإيرادات الناتجة عن انتهاء التخفيضات من الاقتراض العام، مما سيحفز بدوره الاستثمار الخاص. ومع ذلك، خلص مكتب الميزانية إلى أن هذه التأثيرات ستعوض جزئياً تأثير انخفاض القوة العاملة بسبب انتهاء التخفيضات الضريبية، قائلا إنه "في المجمل، يعوض هذان التأثيران بعضهما بعضاً بشكل كبير، ما يؤدي إلى تغييرات ضئيلة في الناتج المحلي الإجمالي".

يشير هذا التحليل إلى أن تمديد التخفيضات الضريبية قد يكون له تأثير صافٍ متواضع مشابه على النمو الاقتصادي، وفقاً لرؤية لجنة الميزانية الفيدرالية.

تقييد الإنفاق

أظهرت دراسات أخرى، مثل تلك التي قدمتها "مؤسسة الضرائب"و "نموذج ميزانية بن وارتون"، أن تمديد التخفيضات الضريبية قد يحقق مكاسب اقتصادية صغيرة، لكنها لا تكفي لتغطية تكاليف التمديد التي يتوقع مكتب الميزانية أن تصل إلى 4.6 تريليون دولار خلال عقد.

ومع ذلك، تشير التقديرات الصادرة عن لجنة الميزانية الفيدرالية ومكتب الميزانية إلى تزايد الشكوك بشأن المكاسب الاقتصادية المتوقعة من تمديد التخفيضات الضريبية. كما تسلط هذه التقديرات الضوء على الضغوط المتزايدة التي سيواجهها المشرعون لإيجاد مصادر تمويل تعوض عن تكاليف هذه التخفيضات.

في هذا السياق، طرح ترمب خطة لخفض كبير في الإنفاق من خلال "إدارة كفاءة الحكومة"، وهي مجموعة غير ربحية يقودها الملياردير إيلون ماسك ورائد الأعمال فيفيك راماسوامي، تهدف إلى تقديم حلول لخفض النفقات العامة بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، اقترح الرئيس المنتخب فرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10 و 20 % على جميع السلع المستوردة، مع فرض نسبة أعلى تصل إلى 60 % على المنتجات الصينية، كجزء من استراتيجيته لتغطية تكاليف التخفيضات الضريبية.

تصاعد العجز المالي

يأتي ذلك في ظل استمرار تدهور الأوضاع المالية العامة.

تظهر البيانات أن عجز الميزانية الأميركية وصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ جائحة كوفيد-19 خلال عام 2024، نظراً لزيادة تكاليف الفائدة على الدين وارتفاع الإنفاق على الضمان الاجتماعي والدفاع. ففي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر، بلغ العجز 1.83 تريليون دولار، مقارنة بـ1.7 تريليون دولار في العام السابق، ما يجعله الأكبر على الإطلاق باستثناء العاميين الماليين 2020 و2021.

وقد أظهرت الأرقام الحديثة تسجيل الولايات المتحدة عجزا قدره 624 مليار دولار خلال أول شهرين من العام المالي الحالي، وهو ما يعادل اقتراض 10 مليارات دولار يومياً، أو 2.1 تريليون دولار على أساس سنوي متجدد، وفقاً للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة.

قالت مايا ماكغينيس، رئيسة لجنة الميزانية الفيدرالية: "إنه رقم مذهل، خاصة في ظل التحديات الهائلة المقبلة. إذا كنا جادين بشأن المسؤولية المالية، فإن الوقت الحالي هو الأنسب للتحرك".

أولويات الحزب الجمهوري

يمثل تمديد التخفيضات الضريبية جزءاً فقط من الأجندة المالية لترمب، التي تشمل أيضاً خفض الضرائب على الإكراميات والعمل الإضافي، بجانب تخفيضات إضافية على ضرائب الشركات، ويتابع المستثمرون عن كثب أي مؤشرات على ضغوط مالية محتملة. ورغم أن اقتصاديي وول ستريت يعتبرون تمديد التخفيضات الضريبية خطوة إيجابية لدعم النمو، فإنهم يشيرون إلى وجود عوامل أخرى قد تؤثر بشكل كبير على المشهد الاقتصادي.

قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة "يورايزون إس إل جي كابيتال": "من الضروري أن يقترن تمديد التخفيضات الضريبية بتقليص الإنفاق. الأمر لا يتعلق فقط بتخفيض الضرائب، بل يجب أن يكون التركيز على تقليل حجم الحكومة وإنفاقها".

يرى ديفيد سيف، كبير الاقتصاديين للأسواق المتقدمة لدى "نومورا"، أن تدهور التوقعات المالية يحد من إمكانية تطبيق تخفيضات ضريبية أوسع نطاقا، وفيما يتعلق بخطط الجمهوريين لاستخدام آلية تسوية الميزانية لتمرير التشريع الضريبي دون الحاجة لدعم الديمقراطيين، أوضح "إذا كنت مخطئا وتم إقرار تخفيضات ضريبية جديدة، فأنا أشك في وجود تمويل كافٍ لهذه التخفيضات. بدلا من ذلك، أتوقع أن تؤدي تعليمات الميزانية إلى زيادة العجز المالي".

تغير المشهد الاقتصادي

مهما كان مسار المناقشة، فإن البيئة الاقتصادية التي تتسم بوجود تضخم مستمر، وعجز متزايد، واحتمالية تباطؤ النمو الاقتصادي تجعل النقاش مختلفا تماما عن آخر مرة نوقشت فيها تخفيضات ضريبية كبرى.

وأكدت مارثا غيمبل، المديرة التنفيذية لـ"ذا بادجت لاب" بجامعة ييل، والتي شغلت سابقا منصب خبيرة اقتصادية في البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس جو بايدن، أن هذه التغيرات تجعل النتائج غير مضمونة، وقالت "يجب على صُناع السياسات أن يدركوا أن عام 2024 يختلف تماما عن 2017، وقد تؤدي نفس الإجراءات إلى نتائج مختلفة كلياً".

الأكثر قراءة