حماية المنصات السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي
بقلم: محمد متعب العصيمي، الرئيس التنفيذي للأمن السيبراني في شركة هواوي في السعودية
في ضوء تبني المؤسسات حول العالم لمسار التحول الرقمي، تتنامى أهمية التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية كخطوة حيوية لضمان النجاح والازدهار في عصرنا التكنولوجي. وفي حين يبشر هذا التقارب بفرص غير مسبوقة لتعزيز مستويات الابتكار والكفاءة، إلا أنه يفرض في الوقت ذاته العديد من التحديات المعقدة المتعلقة بالأمن السيبراني، والتي تتطلب اهتماماً عاجلاً واستجابة استراتيجية سريعة.
ولا تقتصر أهمية الذكاء الاصطناعي في البيئات السحابية على تحسين العمليات التشغيلية فحسب، وإنما يمكن أيضاً - في حال تم تطبيقه بالشكل الصحيح- أن يلعب دوراً حيوياً في حماية أصولنا الرقمية، حيث يمكن استخدامه لتحليل تدفقات البيانات الضخمة في الوقت الفعلي والكشف عن التهديدات المحتملة والاستجابة لها. وتتجلى هذه القدرة في منصة SecMaster 2.0 من هواوي كلاود، والتي تتضمن أكثر من 300 نموذجاً للكشف عن التهديدات، بما فيها 70 نموذجاً معززاً بتقنية الذكاء الاصطناعي، لتقدم مثالاً واضحاً على الكفاءة الأمنية العالية التي يمكن أن يوفرها الذكاء الاصطناعي المتقدم. كما تستطيع هذه الأنظمة تحديد الأنماط الدقيقة التي يغفل عنها العنصر البشري، الأمر الذي يساعد المؤسسات على مواجهة تلك التهديدات بشكل استباقي بدلاً من التعامل معها بعد وقوعها.
ويأتي هذا التقدم التكنولوجي مصحوباً بالعديد من التحديات، حيث تؤدي القدرات التي تعزز من قوة الخدمات السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى ظهور العديد من الثغرات الأمنية الجديدة. ولذلك يتعين على المؤسسات التعامل بكفاءة ضمن هذه البيئة المعقدة التي تتقاطع فيها المخاوف المرتبطة بخصوصية البيانات مع الحاجة الملحة إلى توافر نماذج تدريب للذكاء الاصطناعي. إذ تستند مهمة الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على الوصول إلى كميات ضخمة من البيانات وتحليلها، وهو ما يجعل التوازن بين إنجاز المهام وتحقيق الأمان هشاً للغاية. وتتفاقم حدة هذا التحدي في القطاعات التي تتعامل مع المعلومات الحساسة، حيث قد يترتب على كشف البيانات السرية العديد من التداعيات بعيدة المدى.
وتزداد التهديدات السيبرانية تعقيداً مع ظهور هجمات معادية متطورة تستهدف أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها. كما تُظهر التهديدات الخبيثة تطوراً ملحوظاً، حيث بات بإمكانها التلاعب بنماذج الذكاء الاصطناعي، مما يصعب عليها اكتشاف التهديدات الحقيقية أو حتى إصدار تقييمات خاطئة بشأنها. وتشكل هذه الثغرات الأمنية مصدر قلق كبير لا سيما في ظل تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الأمنية الحاسمة. كما أن اعتماد المؤسسات المتزايد على الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في بيئاتها السحابية قد يؤدي إلى اتساع نطاق التهديدات السيبرانية المحتملة، مما يخلق بدوره المزيد من الثغرات الأمنية التي يمكن للمخترقين استغلالها.
من جهة أخرى، يزيد اعتماد القطاعات على مُزوّدي الخدمات السحابية من جهات خارجية تعقيد المشهد الأمني، ففي حين تساعد هذه الشراكات المؤسسات على الاستفادة من أحدث قدرات الذكاء الاصطناعي، لكنها في المقابل تخلق العديد من التبعيات التي قد تؤثر على الوضع الأمني لدى كل مؤسسة. وهنا يكمن التحدي في تأمين الأنظمة الخاصة بالمؤسسات وضمان تطبيق شركائهم لمعايير أمنية على نفس القدر من القوة. ويتطلب هذا النظام الإيكولوجي المترابط اتباع نهج جديد في الحوكمة الأمنية يشمل الضوابط الداخلية والشراكات مع أطراف خارجية.
ويعد الافتقار الكبير إلى المهارات في مجال أمن الذكاء الاصطناعي من أكبر المخاوف المرتبطة بالأمن السيبراني، فمع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي تتفاقم مشكلة نقص الكوادر المتمرسة القادرة على استخدام الذكاء الاصطناعي والمدركة في الوقت ذاته لمبادئ الأمن السيبراني. ويلجأ مزودو الخدمات السحابية الرائدون إلى معالجة هذه المشكلة من خلال الأتمتة والخدمات الذكية، فمثلاً تطبق هواوي كلاود أكثر من 100 دليل أمان محدد مسبقاً وأكثر من 10,000 معيار امتثال، مما يساعد المؤسسات في الحفاظ على مستوى أمان عالٍ حتى وإن كانت تفتقر إلى الخبرات اللازمة.
إن هذا المسار التصاعدي للتطور التكنولوجي يتطلب نقلة نوعية في سبل تعاملنا مع دمج قدرات الذكاء الاصطناعي في البيئات السحابية، حيث يتعين على المؤسسات تبني عقلية تركز على الأمن في المقام الأول، وذلك من خلال مراعاة جوانب الأمن السيبراني منذ أولى مراحل التخطيط لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويجب أن ينطوي هذا النهج على تقييمات شاملة للمخاطر، ومراجعات أمنية منتظمة، ورصد مستمر لأنظمة الذكاء الاصطناعي للكشف عن الثغرات الأمنية أو الحالات الشاذة المحتملة.
علاوةً على ذلك، يجب أن يتوجه التركيز في المقام الأول إلى تطوير أفضل المعايير والممارسات الأمنية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وعدا عن التدابير الأمنية التقنية، ينبغي أن تراعي هذه المبادئ التوجيهية الاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بخصوصية البيانات واستخدام الذكاء الاصطناعي. ولذلك تجدر الإشارة هنا إلى أهمية التعاون بين المؤسسات والباحثين في المجال الأمني ومزودي الخدمات التكنولوجية لتطوير هذه المعايير وضمان الامتثال لها.
كما يتعين على المؤسسات إعطاء أولوية أكبر للتدريب والتعليم من خلال العمل على تنمية خبرات كوادرها في مجال أمن الذكاء الاصطناعي ومحاولة سد الفجوة في المهارات ذات الصلة ضمن قطاعاتها. ويتضمن ذلك تطوير برامج تدريب شاملة تسهم في إعداد خبراء متخصصين في مجال أمن الذكاء الاصطناعي.
في الخلاصة، يعتمد مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في الحوسبة السحابية على قدرتنا في تحقيق التوازن بين الابتكار والأمان، حيث يجب أن نعمل على دفع حدود الابتكار والتطور مع المحافظة على أمان أصولنا الرقمية وثقة أصحاب المصلحة لدينا. وقد أثبتت التطورات الأخيرة في القطاع بأن هذا الجانب يتعدى كونه مجرد تحدٍ تكنولوجي، وإنما يشكل خطوة استراتيجية حيوية ستخط الفصل القادم من مسار التحول الرقمي. وهنا تبرز أهمية المواظبة على الابتكار والتعاون، كما فعلت هواوي كلاود، لضمان مستقبل رقمي أكثر أماناً ومرونةً.
مادة إعلانية