نسب الفائدة وشبح ترمب
يقول الكاتب الساخر مارك توين: عسى أن تعيش في أوقات مثيرة، غالبا المقصود أن المرء سيرى العجب كلما يشهد أحداث أكثر. وليس أفضل لهذا التصور من ما يحدث للسياسة النقدية في أمريكا. في اجتماع الفيدرالي الأخير كان القرار بالاستمرار بخفض الفائدة بربع في المائة بالرغم من أن أرقام التضخم ابتعدت قليلا عن مستوى 2% المستهدفه، عارض القرار بعض أعضاء اللجنة بطريقة أو أخرى خاصة أن الاقتصاد في حالة مريحة من ناحية النمو و خاصة في سوق العمل الذي مع التضخم يشكلان أهداف الفيدرالي. هناك جدل مهم على أكثر من صعيد. الأول أن الفيدرالي ممثل بالرئيس حاول تفادي النزاع مع إدارة ترمب الذي يعرف عنه رغبة قوية في خفض الفائدة، و بالتأكيد لم ينسى الجدل حول محاولة إعفائة أثناء فترة ترمب الأولى.
الثانية أن هناك توجهات في رفع الرسوم الجمركية على بضائع دول كثيرة و خاصة الصين و تقليل الضرائب أو الحد من العمالة المهاجرة و ترشيد الإنفاق العام من خلال دور وزارة اليون مسك لترشيد و تفعيل كثير من الجهات العامة بتقليص إنفاقها و موظفيها. عوامل في مجملها أقرب لرفع التضخم من التحفيز الاقتصادي. الثالثة مدى تدخل الإدارة الجديدة في برامج الإنفاق الكبيرة التي شرعت فيها إدارة بايدن، فكثير منها دخل حيز التنفيذ وأصبح هناك مصالح واضحة، و لكنها تتناقض مع تصغير الحكومة و السيطرة على العجز و الدين العام.
أخيرا سبق للفيدرالي وإن أخطأ في التأخير برفع الفائدة قبل نحو 3 سنوات و لذلك خطأ آخر قد يكون قاتل لمصداقية باوول رئيس الفيدرالي. بيئة بهذا الشكل يصعب أن ياخذ الفيدرالي المخاطرة بخفض الفائدة و لكنه فعل. أتى الرد من الأسواق سريعا بانخفاض و تذبذب عالي لأن القرار بدأ و كانه متردد، فعلى سبيل المثال أشار باوول إلى أن التخفيض في 2025 لن يكون 4 مرات كما كان متوقع و لكن مرتين.
ارتابت الأسواق في القرار لأسباب فنية في تقدير دور العوامل الاقتصادية الموضوعية و أيضا من ناحية مدى التأثير السياسي على استقلال قرارات الفيدرالي. فسوق العمل يبدو أنه بدأ بالتراخي، و التضخم لازال معقول بالرغم من الارتفاع المحدود، في الأخير لابد من مخاطرة محسوبة في كل قرار. يبدو أن أسواق الأسهم استعادت الاستقرار. ولكن أسواق السندات أخذت منعطفا مختلفا.
فالهامش بين النسبة القصيرة الأجل اليومية التي يتحكم فيها الفيدرالي و السندات الحكومية ارتفع، و بالتالي أصبحت تكلفة الدين نسبيا أعلى. ربما أن أسواق الأسهم أصلا مستعدة لتصحيح حيث التقييم عالي والسوق مرتفع بسبب 7 شركات تقنية، فهذه الشركات أصبحت تشكل الثلث من مؤشر S&P500 مقارنة بالربع في 2023. كذلك أسهم في الجدل دور الدولار المرتفع و رغبة إدارة ترمب في دولار منخفض لأسباب تجارية، ربما لا يستطيع دون تنسيق مع دول أخرى.
يقابل ذلك حالة أمريكا الاقتصادية افضل بكثير من أوروبا وأكثر يقين من اليابان، و الصين تعاني ضغوطات مختلفة و لذلك الدولار في ارتفاع، لذلك حين تكون هناك هزات في الثبات و المصداقية قد لا يكون هناك ملاذ آمن، ربما هذا أحد أسباب في الارتفاع الجنوبي للعملات الرقمية و ارتفاع حالة عدم اليقين و الثقة. كالعادة أقرت أغلب دول الخليج اتباع الفيدرالي في تقليص الفائدة قصيرة الأجل و لكن الدول المقترضة كعمان و البحرين و السعودية ستجد تكلفة الاقتراض في ارتفاع نسبي ما يرفع أعباء الدين. ربما الأفضل لبعض دول الخليج التريث في خفض الفائدة لأن حاجتها للسيولة أصبحت أعلى، لذلك عدم التخفيض سيحافظ على هامش مقبول بين نسب الفائدة على الدولار و بعض هذه الدول المقترضه أو التي تعاني نقصا في السيولة. ربما فائدة أخرى من عدم اتباع الفيدرالي هذه المرة الاستعداد طويل المدى جدا لسياسة نقدية أكثر استقلالية.