هل تنضم العملات المشفرة للملاذات الآمنة؟

تمر الأسواق المالية بأزمات متعددة بين حين وآخر، ورغم تعدد الأسباب التي تقودها نحو الموجات الهابطة أو التصحيحية، فإن النتيجة تكاد تكون واحدة، وهي دفع الأسعار للانخفاض بشكل كبير، ومع هذه التراجعات برزت الحاجة إلى وجود ملاذات آمنة يلجأ إليها المستثمرون أثناء هذه الفترات، وذلك للتحوط أمام الرياح المعاكسة التي تعصف بالأسواق المالية بين فترة وأخرى.

في السابق كانت السندات تعد من أبرز الملاذات الآمنة في الأسواق المالية، وذلك للعلاقة العكسية بينهما في الحركة، ولكن هذه العلاقة رغم استمراريتها ليومنا هذا، فهي لا تحظى بالتطابق دائما كحركة عكسية، ومع ذلك حافظت السندات على كونها أحد الملاذات الآمنة، أيضاً يعد الذهب أحد الملاذات الآمنة في الأسواق المالية، رغم أنه لا يعطي عائدا على الاستثمار بقدر ما يسعى لحفظ القيمة وقت الأزمات، وكذلك يعد الدولار ضمن الملاذات التي تتجه إليها الأنظار وقت الأزمات خاصة عند ارتفاع أسعار الفائدة، وذلك لما تشكلّه العملة الخضراء من قوة وانتشار في أسواق أسعار الصرف، فضلا عن أنها تتعلق بأكبر اقتصاد في العالم.

في السنوات الأخيرة ومع توسع وانتشار تداول العملات المشفرة حول العالم، وبين اعتراف بعض الدول بها في عمليات الشراء والبيع من جهة، واستخدام دولاً أخرى لها كعملة رسمية، ففي سبتمبر 2021 تم إقرار البيتكوين كعملة قانونية في السلفادور إلى جانب الدولار الأمريكي.

برزت عملة البيتكوين Bitcoin"" التي تعد أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية، كأحد الأصول التي سعت لامتلاكها عديد من الشركات والمستثمرين، بل تجاوز الأمر لتأسيس الصناديق التي تتداول وتهتم بالبيتكوين، حيث سمحت هيئة الأوراق المالية في الولايات المتحدة بتأسيس صناديق لبعض العملات المشفرة وعلى رأسها البيتكوين.

ومع تشجيع الرئيس المنتخب بالولايات المتحدة "ترمب" للعملات المشفرة وسعيه لجعل بلاده المركز الرئيس لتداولها، حظيت العملات المشفرة باهتمام كبير من قبل المستثمرين، ومع محدودية عددها الذي لا يتجاوز 21 مليون عملة، دفع ذلك لارتفاع الطلب على البيتكوين وبالتالي ارتفاعها لمستويات قياسية، ومع اختراق البيتكوين لمستويات الـ100 ألف دولار، تجاوزت قيمتها السوقية لمستوى تريليونين دولار، وأصبحت تمثّل نحو من 2% من القيمة الإجمالية للأسهم العالمية. حالياً تعد البيتكوين سابع أكبر الأصول بالعالم.

كذلك تجاوزت محفظة بلاك روك (أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم) من البيتكوين لمحفظتها من الذهب، لم تتوقف بلاك روك عن اعتبار عملة البيتكوين أداة للتنويع في المحافظ الاستثمارية جنباً إلى جنب مع الذهب والسندات، بل تجاوزت ذلك بوصف البيتكوين كأداة تحوط في بيئة قد ينهار فيها الارتباط التاريخي بين الأسهم والسندات، حيث توصي بلاك روك أخيرا المحافظ الاستثمارية بتخصيص ما نسبته من 1 إلى 2% من البيتكوين من إجمالي حجم المحفظة.

ارتفع سعر البيتكوين أكثر من 28 ضعفاً خلال أقل من 5 سنوات، حيث كان سعرها يتداول في شهر مارس من 2020 عند مستوى 3,800 دولار إلى أكثر من 108 آلاف دولار مطلع ديسمبر 2024، ومع اتساع رقعة من ينادي بتملك البيتكوين فقد تشهد العملة المشفرة مستويات قياسية بعيدة كل البعد عن مستوياتها الحالية، ومن يعلم لربما تجاوزت قيمتها السوقية لقيمة سوق الذهب العالمية التي تبلغ حالياً 17.8 تريليون دولار.

والخلاصة أن البيتكوين استطاعت خلال سنوات قليلة من بعد جائحة كورونا أن تفرض نفسها كأداة استثمار وتحوط في الوقت ذاته، لتنضم ضمن الملاذات الآمنة في الأسواق المالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي