كيف صمدت البقالات في عصر الهايبر ماركت ؟

كيف صمدت البقالات في عصر الهايبر ماركت ؟

رغم أن فكرة انطلاق الهايبر ماركت في العالم بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي من بنات أفكار فريد ماير عندما أسس "هايبر" يجمع كل أنواع السلع من مواد غذائية وخضار وفواكه ومخبوزات وأدوات العناية الشخصية، بيد أنها بدأت تنتشر بشكل مكثف في السعودية مع مطلع الألفية الجديدة، حتى بات في كل حي سكني أكثر من هايبر ماركت.

مع توسع انتشارها ظلت البقالة موجودة رغم أن البدايات كانت تنذر باقتراب نهاية عمرها التجاري. وصمدت البقالة التي لا تزيد مساحتها -وفق الاشتراطات المحددة من السلطات المعنية- على 100 متر مربع، في وجه "ميني ماركت" و"السوبر ماركت" والهايبر. وهنا يتبادر السؤال: كيف صمدت البقالات أمام متاجر أكبر وأكثر منتجات وذات عروض دائمة؟

النائب السابق لرئيس لجنة المواد الغذائية في غرفة جدة محمد الجهني، يرى أن صمود البقالات في وجه المنافسة الشديدة من السوبر ماركت الكبيرة والهيبرات يعود إلى ميزتها في سرعة الوصول إلى العميل وتقليل وقت الشراء، حيث يمكن للزبائن إنهاء مشترياتهم في دقائق معدودة، بينما يعاني المتسوقون في السوبر ماركت الازدحام، خاصةً في أوقات الذروة.

الجهني أضاف "تلبي البقالات احتياجات الحي وتعكس بضائعها تفضيلات الزبائن الأكثر طلبًا، على عكس السوبر ماركت والهيبرات التي تستهدف جمهورا أوسع. ورغم ارتفاع التكاليف التشغيلية لبعض البقالات، إلا أن متوسط هامش الربح فيها لا يقل عن 14%، مقارنة بـ8% في معظم منافذ البيع الكبرى، حيث تكون الأرباح غالبا من المنتجات الطازجة والمتقلبة الأسعار، مثل المخبوزات والأجبان والخضراوات والفواكه والأسماك".

عدد السجلات التجارية لنشاط البيع بالتجزئة في المتاجر غير المتخصصة التي تبيع الأطعمة والمشروبات والتي تشمل البقالات والتموينات، بلغ 73,415 سجلا قائما بنهاية 2024، مقارنة بـ64,621 بنهاية العام السابق، بارتفاع 13.6% على أساس سنوي.

من جهته أشار عضو جمعية الاقتصاد السعودي عصام خليفة في حديثه لـ"الاقتصادية"، إلى أن البقالة أصبحت جزءا أساسيًا من الحياة الاقتصادية للعائلات حيث تقدم خدمات ميسرة، وتتكيف مع تنوع جنسيات ونوعية العملاء في الأحياء، فالاحياء ذات الأغلبية الآسيوية تنتشر فيها الأطعمة الآسيوية والشيء نفسه للجنسيات الأخرى وهو ما يعكس ثقافة الشراء التي ارتبطت بالبقالات، وأنها لا تزال تنمو مع تزايد التوسع العمراني في المدن، مضيفا: "كما أنها تقدم ميزات لا توفرها المراكز التجارية، مثل الشراء بالأجل وخدمة توصيل الطلبات مجانا".

في تقرير صدر الشهر الماضي لشركة "أوليفر وايمان" المختصة بالدراسات والاستشارات عن سوق البقالات في منطقة الخليج، بينت أن سوق البقالات والسوبر ماركت في السعودية تبلغ نحو 62 مليار دولار مع معدل نمو سنوي مركب متوقع يبلغ 4.2% خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

المستثمر والعضو السابق في لجنة المواد الغذائية في غرفة جدة سالم بالخشر، رأى أن السبب الرئيسي لاستمرار البقالات على مراكز البيع الكبرى هو انخفاض التكاليف، خاصة في ظل التضخم العالمي والمحلي، فمصاريف تشغيل السوبر ماركت الصغيرة أو التموينات تكون منخفضة، لأن معظم أقسامها تكون مستأجرة، مثل أماكن المخبز والخضار والفواكه. كما أن عديدا من البضائع تُشترى بالأجل، مثل الألبان والمشروبات الغازية والمواد الغذائية الأخرى، وغير المبيع منها يرجع للموزع.

بالخشر يتفق مع أن هامش الربح في هذه البقالات لا يقل عن 14% وأحيانا يصل إلى 20%، إذا كان موقعها مميزا خصوصًا تلك الموجودة في الشوارع الرئيسية والمحطات، مضيفا "لا تتحمل هذه المتاجر مصاريف إدارية لمباني الإدارة ومستودعات التخزين كما هي الحال في الهيبرات، لذلك تبنى عديد من البقالات المتطورة حلولًا تسويقية مميزة مثل خدمات التوصيل في بعض الأحياء، ودمج أقسام مختلفة مثل العصيرات وبطاقات الشحن مع بقية خدماتها لمواكبة التغيرات في سلوك المستهلك الذي يبحث عن الخدمة والسعر الجيد".

هكذا تتضح إجابات عدة لسؤال: كيف صمدت البقالات على مر العصور رغم مواجهتها المتاجر الأكثر سعة وسلعا؟ وعلى رأس تلك الإجابات "الدفتر"، الذي يوفر للمستهلك الشراء والدفع لاحقا، الخدمة التي تعد عند كثير من المستهلكين ميزة إضافية، لا يمكن للمتاجر الكبرى مجاراة البقالات فيها.

الأكثر قراءة