المدن الكبرى بوابة الفرص .. ولكن

المدن الكبرى والعواصم تمثل الوجهة الأولى للباحثين عن الفرص، حيث تنشأ علاقة مترابطة بين النمو الاقتصادي والنمو الحضري، ومع ذلك فإن هذا الترابط لا يسير دائما بشكل متوازن، إذ تظهر فجوات بينهما تؤدي إلى تحديات اقتصادية واجتماعية تؤثر في جودة الحياة.

هذه الفجوة غالبا ما تنشأ نتيجة تأخر القطاع الحضري عن مواكبة النمو الاقتصادي، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الطلب على العقارات نتيجة للشراء الاندفاعي من أموال المصارف التجارية المباشرة وضعف التمويل من سوق رأس المال في توفير العرض من خلال الصكوك القابلة للتداول أو الأسهم أو السندات التجارية.

كلما زادت الفجوة بين النمو الاقتصادي والحضري انخفضت جودة الفرص الاقتصادية ومن أبرز علاماتها سهولة رفع الإيجارات على القطاع التجاري دون مبررات منطقية، الدول الناشئة تعاني آثار هذه الفجوة بشكل كبير، حيث تضيق الأسواق الداخلية وتضعف القوة الشرائية للمستهلكين وترتفع التكاليف، ما ينعكس بوضوح في المدن الكبرى والعواصم.

حل هذه المتلازمة يعتمد على سياسات اقتصادية وحضرية متكاملة، أولى الخطوات هي ضمان مواءمة النمو الاقتصادي للنمو الحضري من خلال الاستثمار في البنية التحتية والإسكان الميسر وتطوير المراكز التجارية الكبرى ومراقبة سرعة وسلاسة تدفق الأراضي للسوق والحد من حساسية ارتفاع الإيجارات بتوفير بدائل البناء متعدد الطوابق إلى حين توافر مزيد من الأراضي.

تطوير المدن يجب أن يركز على تخطيط عمراني مستدام يتماشى مع الطلب على السكن والخدمات مع التشجيع على المشاريع السكنية منخفضة التكلفة دون الإخلال بالمساحات العامة من الشوارع الواسعة داخل الأحياء، لأن تراجع تلك المساحات يؤدي إلى مشكلات تخطيط مستقبلية مع نقص مخزون المساحات العامة، وله أيضا تحدياته.

إلى جانب ذلك، فإن امتلاك الأصول العقارية بتكاليف معقولة يمكن أن يخفف من تأثير تكاليف المعيشة المستقبلية، هذا يتطلب سياسات تدعم الأسر في الحصول على عقارات بأسعار مناسبة خاصة في المراحل المبكرة من حياتهم العملية، لضمان سلامة الاقتصاد من أي اختلاف في مستوى الدخل، والذي قد يأتي بعد التقاعد والتوقف عن العمل والإنتاج، ولا يحمينا من تلك الاختلالات إلا توافر أدوات استثمارية مثل الصكوك والأسهم والسندات، التي بدورها توفر أدوات ادخار استثماري لتعزز من قوة الاقتصاد وحماية الأسر من مشكلات التقاعد ومن الأعباء المستقبلية.

خلال العقود العشرة الماضية، تشكلت آلاف المدن الكبرى حول العالم، لكن المدن الأكثر ملاءمة للعيش هي التي نجحت في تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والنمو الحضري، فالبنية التحتية المالية والنقدية والإنشائية، إلى جانب جودة الحياة تستمد قوتها من توازن هذا النمو.

أخيرا: لا يمكن للمدن الكبرى والأسواق القوية حل مشكلاتها دون سياسات اقتصادية وحضرية متكاملة، لذلك يعتبر تطوير جانب العرض من أهم الإستراتيجيات التي تساعد في تحسين القدرة على تحمل تكاليف العيش في المدن الكبرى، والتمتع بجودة الفرص، وفرص العمل التي توفرها اقتصادات العواصم والمدن الكبرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي