استشراف النفط وحماية صناعته

لا يخفى على مراكز صنع القرار إن استشراف المستقبل إحدى أهم أدوات التقدم والتطور في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها، وأن الخطط الإستراتيجية على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي لن تكتمل أركانها، ولن تتحقق أهدافها المرجوة، إلا بوجود مراكز معتبرة تقوم بصناعة دراسات مستقبلية استشرافية رصينة وموضوعية. في رأيي أن ما بعد جائحة كورونا ليس كما قبله فيما يخص أهمية الدراسات الاستشرافية، وانتقالها من كونها مهمة إلى ضرورة ملحة لتفادي كثيرا من الأزمات.

استشراف قطاع الطاقة بجميع مصادره ومنتجاته وعلى رأسها النفط في اعتقادي ضرورة ملحة جدا، حيث إنه ركن رئيسي من أركان أمن الطاقة العالمي، وجودة وموضوعية هذه الدراسات المستقبلية وموضوعيتها، إضافة إلى جودة القرارات الإستراتيجية التي يتم اتخاذها بناء على مخرجات هذه الدراسات تصب بلا شك في صميم أمن الطاقة العالمي، الذي يحافظ على حقوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء. العالم في حاجة ملحة إلى الحفاظ على توازن أسواق النفط وتجاوز الأجندات السياسية والاقتصادية غير المنطقية وغير الموضوعية، فالاقتصاد العالمي يمر بمرحلة حرجة، وصفتها بعض الجهات المختصة بأنها أقوى من الكساد الكبير الذي بدأ 1929.

خلال جائحة كورونا، توقع بعض الجهات أن ينخفض الطلب على النفط في حدود 20 إلى 30 مليون برميل، أي ما يعادل 20 إلى 30 % تقريبا من كمية الطلب العالمي، واعتقد أنها لم تبالغ نظرا إلى ما تعانيه دول العالم جميعا بسبب جائحة كورونا والشلل الاقتصادي الذي حل بها، ما وضع جميع المنتجين أمام حقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي أن التعاون مطلب، ويجب أن يشارك فيه الجميع دون استثناء، وهذا ما نجحت فيه "أوبك" بقيادة السعودية، لموازنة الأسعار بعد الانهيار الكبير الذي حصل فيها لمستويات تاريخية.

الجدير بالتنويه والخطر الحقيقي في نظري ليس تقلب أسعار النفط، بل الضغط على أسعاره وفق أجندات معينة لمدة طويلة، حيث يعتقد البعض أن انخفاض أسعار النفط بصورة قوية يضر بالمنتجين فقط، وأن هذا الانخفاض يصب في مصلحة المستهلكين. قد يكون هذا الاعتقاد صحيحا على المدى القصير، لكن الحقيقة أن المنتجين والمستهلكين سيتأثرون سلبا في المديين المتوسط والبعيد من انخفاض أسعار النفط، فعندما تنخفض أسعار النفط بصورة قوية وتستمر على هذا الانخفاض مدة طويلة، هذا سيؤدي إلى انخفاض أو خروج الاستثمارات في هذا القطاع، خصوصا في قطاع التنقيب لاستكشاف حقول جديدة تعزز الإمدادات النفطية في المستقبل، وقطاع تطوير الحقول القائمة لرفع كفاءة إنتاجها، حيث إن آبار النفط تواجه عقبات فنية وطبيعية تؤثر في كمية إنتاجها مع مرور الوقت، ما يستدعي التدخل لمعالجة هذه التحديات.

هناك علاقة مهمة بين أسعار النفط الحالية ومستقبل صناعة النفط يجب أخذها في الحسبان، حيث إن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات غير مجدية اقتصاديا لبعض الدول والشركات المنتجة للنفط يؤثر بصورة مباشرة في استثماراتها في هذا القطاع، هذا يعني أنه في مرحلة ما ستقل الإمدادات قسريا، وبوجود طلب عال سترتفع الأسعار بصورة كبيرة تضر بالمستهلكين.      

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي