أعمال بايدن يقطفها ترمب

في الأسبوع المقبل يستلم الرئيس ترمب الرئاسة بعد أن أصبح ثاني رئيس أمريكي بعد كليفلاند قروفر في تسعينات القرن التاسع عشر يعود لفترة ثانية يفصلها عن الأولى رئيس آخر. الحالة الاقتصادية اليوم يشكها طابع الاقتصاد السياسي لذلك هناك حالة ترقب في كل دوائر الاقتصاد السياسي.

أحد أركان التطور أن يصبح الشأن الاقتصادي فني النزعة وبالتالي يبتعد عن الدائرة السياسية ولكن في فترات التحول والصراعات والتغيرات العلمية التقنية والاقتصادية يعود الاقتصاد السياسي نحو الواجهة.

تواجه أمريكا والغرب تحديات اقتصادية بدأت في السبعينات من القرن الماضي بكسر العلاقة بين الذهب والدولار وصعود الماليات في إدارة الاقتصاد وبالركود التضخمي إلى أن بدأت ربات المنزل العمل لتعويض الضغوطات المالية وبدأ تناقص النمو السكاني وتنامي العجز المالي والدين في الثمانينات والأزمات المالية المتلاحقة والفجوات المجتمعية في الدخل والثروة في التسعينيات، ما كاد الغرب يفيق حتى جاء تحدي ما وصف بأنه "صعود البقية" وخاصة الصين ما قوض الطبقة التصنيعية الوسطى وصعد الأزمات الاجتماعية وبالتالي السياسية.

هناك حالة ارتباك تشترك في نمو استمرار العجز ونمو الدين العام وتعاظم دور القطاع العام في الاستثمارات ممثل ببرامج حكومية ضخمة وضعف في الإنتاجية، في ظل هذة الأزمات ليس هناك فرق كبير بين الإدرات الديموقراطية والجمهورية على الأقل في العجز والدين والسياسات الحمائية وقبول البرامج العامة في الإنفاق والاستثمارات.

الاختلاف ممكن في الدرجة ولكن ليس في التوجه. فمثلا لم يستطيع ترمب في أبطال برامج أوباما الصحية، واستمر النفط الصخري تحت 3 رؤساء، واستمر الإنفاق العسكري ونزعة التدخل بدرجات حسب قراءة الاوضاع.

من هذا المنطلق سوف يجد من يعتقد بالاستمرارية ما يكفي وسوف يجد من يعتقد بالاختلاف ما يكفي. الثابت مصلحة أمريكا الاقتصادية من خلال السياسة ولذلك هناك توجس مفهوم من ما استطاع ترمب صياغته في المحافظة على عنصر المفجاءة أو صعوبة قراءة ما ذا سوف يعمل.

العالم أمام شاهد جديد، إذ يقول الغرب إن الصين وروسيا تعارض النظام العالمي، ولكن ترمب أيضا يعارض النظام العالمي، لذلك نحن مشهد جديد وملئ بالتوقعات والهواجس.

من زاوية أخرى سوف تستمر التحديات الكونية اقتصاديا مهما عمل ترمب لأنه لا يمكن حلها في فترة قصيرة وليس لديه كل الأدوات لأن الواقع العالمي له استحقاقاته ولدى أمريكا تحديات داخلية، ومن زاوية أخرى قد يستطيع تمرير بعض السياسات إذا أحسن استغلال ما "أنجز" بايدن، فمثلا السياسات الحمائية ضد الصين وحتى الأقرب مثل كندا والمكسيك قطعت شوطا، وسياسات البيئة في تراجع من الشركات لأسباب تخص الاقتصاديات.

والحالة الجيوسياسية قطعت مسافة فايران مكسورة جيوسياسيا واقتصاديا، وروسيا جريحة على المنوال نفسه، وأوروبا في حالة تراجع اقتصادي وارتباك سياسي. الصين حالة خاصة في تمكينها التصنيعي غير المسبوق ورفض الغرب المعلن لبروز أي قطب عالمي. الصراع الصيني الغربي في دوائر التحولات التاريخية.

من أوجه الصراع أن لدى أمريكا نزعة جاكسونية - الغزو تحت غطاء الإصلاح بينما لدى الصين عادة انكفاء داخلي وبناء وصراع بين المركز والأقاليم، ولكن سوف يواجه ترمب تحديا نوعيا ممثلا بأن الصين كانت تشكل 6% من المصنوعات العالمية في 2020 بينما يتوقع أن تصل 45% في 2030 (أكثر من أمريكا وكل حلفائها في آسيا وأوروبا)، هذا سوف يعوق نهج ترمب من خلال التضخم الذي كان له دور في وصوله للبيت الأبيض. بل إن هناك في بعض الدوائر الغربية من يريد توظيف الهند أو استغلال خلافها مع الصين ولكن يرى أنها خصم محتمل في القريب على السلم التاريخي.

الاختبار بين براقمتية ترمب كرجل أعمال ، وترمب السياسي الشعبوي، بينهما سوف يكون هناك مفجاءات وربما مخاطر. فمثلا ربط ميران أحد مستشاري ترمب الاقتصاديين وتعرفة 20% مع تكلفة الدفاع الأمريكية عن حلفائها. هناك فرصة لانفراج تجاري اقتصادي أمريكي مع الصين لأن الشركات الأمريكية ترغب، ولكن هناك مخاطر ليست قليلة.

أين منطقتنا من الاستمرارية المتغيرة في النهج الغربي والأمريكي خاصة؟. دول المنطقة في أغلبها منهكة في أغلب جوانبها لأنها لم تأخذ بالتنمية ربما عدى بعض دول الخليج، والتي أجادت التوازن الجيوسياسي التركيز على المقومات التنموية. حان الوقت لتخفيف حالة التسيس بقدر الإمكان والتركيز على التنمية الاقتصادية لأن هذا سوف يعود بنفع أعلى بكثير و يحير الخصوم.            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي