هل نجحت سياسات الدول النفطية وفشلت أسعار الفائدة؟
الدول تتبنى نماذج اقتصادية وتخطيطية متباينة وسياسات صناعية بموجبها يتم تصنيف العالم إلى مجموعات اقتصادية، لكن مع الصعود التدريجي في سلم التقدم التقني للدول اعتقدنا أن الفجوات في طريقها إلى التراجع بين المجموعات الاقتصادية.
انكماش الدخل والتضخم في العقد الأخير أسهما في ارتفاع معدلات ديون الدول بشكل شمولي، ونتيجة لذلك، كانت سوق رأس المال تميل إلى وضع تقديرات مبالغ فيها من حيث عدم اليقين ومخاطر الأسواق بما فيها المخاطر المتعلقة بالجوانب الائتمانية، وقد أضر هذا بالمنافسة وبكفاءة النظام المالي، ومن أبرز العوامل التي أسهمت في ذلك، تقلبات الأسعار الكبيرة بين مجموعات الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية وتذبذبت معها معنويات المستثمرين في أسواق رأس المال.
في المقام الأول الاستثمار في البنية التحتية كان ولا يزال من محركات النمو التي تعتمد الحكومات، وقد تراجعت بالفعل نتيجة لاستنزاف الفوائض والتأثيرات التي طالت الحكومات والشركات والأفراد.
حيث إن انكماش الدخل واستنزاف المدخرات على المستهلكين وتراجع احتياطيات الحكومات وتذبذب الشركات انعكس بشكل سلبي على الأنشطة الاقتصادية وسوق الصادرات الصناعية، وهذا ما يفسر جانبا من الحالة التي تعيشها الاقتصادات الصناعية الأوروبية مثل ألمانيا.
من الواضح حتى الدول المصدرة للنفط تأثرت، لكن سياساتها الاستباقية في إدارة العرض النفطي لعبت دورا جوهريا في تماسك الأسعار، لذا جاء أداء الدول النفطية مقبولاً إذا ما تمت مقارنته بالأداء الاقتصادي العالمي.
سياسات إدارة العرض من الدول النفطية كانت ناجحة، حيث إن الدول النفطية حمت الاقتصاد العالمي دون أن يشعر أحد، أي إن ثباتها النسبي والتحكم في القيمة النهائية لأسعار النفط منعا انزلاق العالم نحو الركود العميق والأزمات الاقتصادية الشاملة، بمعنى آخر: الدول النفطية منعت تشكل سلوك القطيع.
وعلى الجانب الآخر، أسعار الفائدة الأمريكية كانت سببا فيما وصل إليه العالم من صدمات اقتصادية وفجوات سعرية هائلة، وذلك عقب سياسات التسهيل الكمي في أزمة كوفيد 19 وما تلاها من تضخم عالمي طال الجميع، ونتج عنه تآكل في دخل الأسر والشركات عالميا وتبخرت مع التضخم مدخراتهم، بل إنها أدت أيضا إلى توسع فجوة داخل الاقتصادات المتقدمة فضلا عن النامية.
يمكننا القول إن سياسات إدارة العرض النفطي نجحت مقابل إخفاق سياسات العرض النقدي الأمريكية الهائل من خلال التسيير الكمي ولا سيما أنها أثرت في الاقتصاد الأمريكي قبل اقتصادات العالم، وهذا الإخفاق ليس الوحيد، فهناك الحرب الجمركية المحتملة في 2025.
في الختام: استقرار الاقتصاد العالمي يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين سياسات النفط والفائدة. بينما لعبت الدول النفطية دورًا مهمًا في منع الركود الاقتصادي، فإن سياسات الفائدة الأمريكية أسهمت في زيادة الفجوات الاقتصادية، ومن الضروري أن تتبنى الدول والمؤسسات الدولية آليات تعاون لمواءمة السياسات المالية والنقدية والنفطية وضمان استقرار الأسواق على المدى الطويل، كما أن تعزيز التعاون الدولي في التنظيم المالي والتجارة سيقلل من المخاطر المستقبلية ويعزز النمو المستدام على مستوى العالم، ولن يكون قريبا قبل انتهاء الحرب الروسية.