الاقتصاد الصيني في تحول
الاقتصاد الصيني دائما مهم بحكم الحجم والدور الصناعي والتجاري مع الكل، فأهم علاقة اقتصادية في العالم بين الصين وأمريكا، لكنه أيضا مهم للسعودية بسبب دوره في استيراد النفط السعودي. في أدبيات الاقتصاد التنموي يقال إن عتبة 12 ألف دولار كحصة الفرد من الدخل القومي الإجمالي قريب من المتوسط العالمي لكنه بعيد جدا عن الدول الغنية. أيضا هناك تعقيد آخر فالصين مع التعديل للحجم والزمن التقني تمر بتجربة اليابان بما في ذلك الضغط الأمريكي الذي لا بد أن يكون أكثر حدة لأسباب جيوسياسية.
يصعب تأطير تجربة الصين ومتابعة أخبار التطورات الاقتصادية في الصين دون أخذ هذه الأبعاد في الحسبان. استهلكت الصين الممكن في التوسع وليس أفضل دليل من الصعوبات المتتالية في التعامل مع العقار والإسكان. حين نقول التوسع لا يمكن بخس الصين في نجاحها المذهل على جميع المستويات التقنية والعلمية والصناعية والحد من الفقر وحتى الرفاهية المعقولة لجزء مؤثر من الناس.
كان هناك توافق وتكامل بين الصين وأمريكا في أول 3 عقود من نمو الصين إلى تقريبا 2010، التوافق كان قبول أمريكا لتنشيط دور الصين وحتى مساعدتها للانضمام إلى WTO والتكامل ماليا وتجاريا، فالصين أصبحت المصنع الأقل تكلفة وتوفر المال للاستثمار وأمريكا رمزيا من خلال "وال مارت" وجدت بضائع وسلع بأسعار مغرية لأغلب المستهلكين، وأيضا سوق جيدة للقمح وبعض الشركات مثل إنتل وبوينج. مع ارتقاء الصين سلم التقنية لم تعد الصناعة مجدية في أمريكا ولذلك خسرت الكثير من الطبقة الوسطى ما أثار تذمرا اجتماعيا وسياسيا قاد إلى الشعبوية. الجدل الاقتصادي اليوم بينهما يدور حول محاولة الصين أو ترددها من وجهة نظر أمريكية إعادة درجة من التوازن الاقتصادي من خلال رفع نسبة الاستهلاك في الاقتصاد الصيني.
حصة الاستهلاك من GDP في الصين تصل إلى 53% في نهاية 2022 مقابل 80% لأمريكا، يقابل هذه الصوره انعكاس لها في نسب التوفير. مستوى التوفير يقود لطبيعة الذاكرة الثقافية والمستوى المالي والتعامل مع الثروة. لدى الصيني ذاكرة اقتصادية تلفها الأزمات ولذلك نسبة التوفير عالية وطبيعة التوفير والاستثمار مختلفة، فالصيني يلجأ للعقار وهذا خذله في السنوات القليلة الماضية والسوق المالية بالرغم من تطورها ليست مفتوحه وبالتالي ملكية الأسهم ليست عالية نسبيا والودائع البنكية عالية، وأخيرا عدم ارتفاع عدد السكان الذي تعاملت معه أمريكا جزئيا بالهجرة يعوق نمو الاستهلاك ويؤثر في التوفير.
الحالة اليوم يسيطر عليها ضعف الاستهلاك بسبب نقص في الثروة التي بدورها تعتمد على العقار فهناك ما يسمى "بتأثير الثروة" حين تنقص الثروة يبدأ الفرد في مراجعة إنفاقه، كذلك هناك بطالة خاصة بين الشباب وخاصة خريجي الجامعات. مقارنة بأمريكا حيث البطالة قليلة جدا وأسواق رأس المال مرتفعة وبالتالي تأثير الثروة واضح. عوض المؤشر الصيني بعض الانخفاض الحاد في الأشهر القليلة الماضية ولكن ردة الفعل على السياسات النقدية التوسعية الأخيرة لم تكن مطمئنة. كذلك نسبة الفائدة على سندات الحكومة الصينية تدل على توقعات بتباطؤ الاقتصاد، فهامش الفائدة بين السند الأمريكي أعلى من الصيني بنحو 3%. إحدى ظواهر نمو استهلاك واستيراد النفط بطيء خاصة أن الصين استغلت ظروف روسيا وإيران لاستيراد نفط مخفض الأسعار.
حاجة الصين لنمو اقتصادي واضحة بسبب البطالة والدخل المنخفض نسبيا، كذلك تعلق الصين بأرقام نمو عالية ربما صعب بعد إنجاز القفزة غير المسبوقة في أول 4 عقود منذ الانفتاح في 1979. لذلك يبدو أن نمو قريب من 5% أصبح مقبولا إذا استطاعت الصين الحفاظ عليه.
لن تكتمل هذه التوازنات الدقيقة دون البعد الجيوسياسي مع أمريكا وتهديدها برفع التعرفة الجمركية مع قدوم إدارة ترمب. الظرف العالمي دقيق في اعتماد العالم على الديون. الفرق بين أمريكا والصين، أن لدى أمريكا ميزة هيكلية ممثلة في دور الدولار عالميا بينما لا تزال الصين دون سوق رأسمال مفتوح، وعملة مهددة، فما قد ينفع الصين بانخفاض الرنمينبي للتصدير يضرها في هجرة الأموال وجذب الاستثمارات. لذلك هذه التوازنات الدقيقة تعرض العالم لهزات محتملة يصعب التنبؤ بها.