مشهد اقتصادي عالمي جديد
لا يعلو في الوقت الراهن؛ صوتٌ فوق تفكير الاقتصاديون والماليون حول التأثيرات المحتملة للسياسات الجديدة التي أقرّها الرئيس الأمريكي المعاد انتخابه مجدداً "ترمب"، لعل من أهمها زيادة الرسوم الجمركية على البلدان التي تتبادل تجارياً معها الولايات المتحدة، حيث اقترح ترمب رفع الرسوم إلى 60% على السلع المستوردة من الصين، وإلى 20% على الواردات من بقية العالم، هذا عدا انسحاباته من اتفاقيات دولية عدة كالمناخ، واندفاعه نحو إزالة جميع أسقف إنتاج الوقود الأحفوري، إضافةً إلى إعلان حالة الطوارئ مع الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وبدء عمليات ترحيل السكان غير الشرعيين في شتى الولايات، وغيرها الكثير من القرارات والإجراءات التي فاقت 80 قرارا مع اليوم الأول من بدأ عمله مجدداً في البيت الأبيض.
وكما هو متوقع؛ لن يقف الأمر عند مجرد الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها في الساعات الأولى من بدء عمل ترمب، التي ستمتد بالتأكيد إلى أغلب المجالات الدولية قبل الداخل الأمريكي، وكل هذا في مجمله من شأنه أن يحدث إرباكاً للاقتصاد الأمريكي والعالمي، وأن تنعكس تلك التطورات المفاجئة الآن والمتوقعة سابقاً من رئيسٍ اعتاد التحرك خارج حدود السياسة الأمريكية المعتادة، وامتداد تلك التطورات إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية حول العالم، وما قد تؤثر به في سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أولاً، وثانياً بقية البنوك المركزية حول العالم، التي ستجد كياناتها أمام احتمالاتٍ قوية بارتفاع التضخم مجدداً وسيتبعه معدل البطالة بكل تأكيدٍ، في ذات الوقت الذي قد تتباطأ معدلات النمو الاقتصادي نتيجةً لتلك الاضطرابات المتسارعة قبل أن تكون مجرد تطوراتٍ معتادة، وهو ما سيضع البنوك المركزية أمام مشهدٍ اقتصادي ومالي عالمي يحمل التناقضات بأكملها، وماذا ستكون حينئذ أولوية البنوك المركزية؟ هل ستحارب التضخم المتأهب للصعود مجدداً بتثبيت أسعار الفائدة أو حتى رفعها مجدداً، على حساب ارتفاع البطالة وتباطأ النمو الاقتصادي وزعزعة الاستقرار المالي وتقلبات الأسواق المالية؟ أم ستتجه إلى العكس؛ بخفض أسعار الفائدة دعماً للنمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار، وللحد من تصاعد البطالة، والقبول مرغمةً بارتفاع التضخم والسماح له بتآكل قيمة العملات الوطنية في أغلب بلدان العالم.
في كلتا الحالين؛ لا يُعد ما سبق بأي حالٍ من الأحوال ممهداً لاستقرار الاقتصاد العالمي ولا التجارة العالمية، ولا حتى مؤشراً على استقرار الأسواق المالية والسلع والأصول والطاقة حول العالم، بل إنّه طريقٌ ممهد للكثير من الصعوبات والتحديات الاقتصادية والمالية التي تهدد الجميع، وعلى رأسهم الاقتصاد الأمريكي الذي يريد رئيسه المعاد انتخابه وضعه أولاً! اللغة التي تحملها الآمال والأحلام السياسية تختلف تماماً عن الوقائع الاقتصادية والمالية، وفي كثيرٍ من الأحوال تجدها متضاربة، والسبيل الوحيد للمّ الشمل بين المجالين؛ دائماً يمكن إيجاده في الدبلوماسية السياسية، يقابلها الواقعية الاقتصادية والمالية وضرورة اتخاذ السياسات الواقعية التي تأخذ بالحسبان تلك الاعتبارات المتضادة والمختلفة على أرض الواقع، وهذه المنظومة بالتأكيد غير واردة في تفكير الرئيس المعاد انتخابه ترمب، بما يشير إلى دخول الاقتصاد العالمي والأسواق وجميع ما يتعلق بهما في طريقٍ تغلب عليه الاضطرابات والتقلبات والأزمات أكثر من أي عاملٍ آخر، وسيكون على العالم أن يبقى على أهبة الاستعداد لأي مفاجآتٍ قادمة حتى نهاية فترة رئاسة ترمب!