انسحاب أمريكا من اتفاق باريس .. دعم للطاقة التقليدية وخصم من رصيد المتجددة
بعد تنصيبه يوم الإثنين الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ، في خطوة لقيت انتقادا من مناصري البيئة، لكنها قوبلت بترحيب من فريق آخر يرى النهج العالمي في التعامل مع قضايا المناخ غير واقعي.
ويخشى مناصرو البيئة من أن خطوة ترمب ستُلقي بظلال قاتمة على الأهداف العالمية للحد من التلوث وخفض الانبعاثات الضارة الناتجة، حيث قد يكون من شأنها عرقلة التقدم العالمي في تبني الطاقة المتجددة.
ويعني انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق بالنسبة إلى هذا الفريق غياب أكبر مصدر على الإطلاق للانبعاثات في العالم عن الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ للمرة الثانية خلال عقد.
وللولايات المتحدة أثر كبير في سياسات الطاقة العالمية؛ لذلك، فإن انسحابها يبعث أيضا برسالة سلبية إلى الجميع بأن قضية تلوث البيئة ليست أولوية على جدول الأعمال العالمي، ما يؤدي إلى اانخفاض الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة.
في المقابل، يرى فريق آخر أن خطوة ترمب تأتي كرد فعل على ما يصفه بعدم واقعية النهج العالمي في التعامل مع قضايا المناخ، حيث يسعى هذا النهج للتخلص السريع من الوقود الأحفوري دون أن يكون الاقتصاد العالمي جاهزًا بعد لاستخدام الطاقة المتجددة.
هذا الفريق يرى أن الطاقة المتجددة الأكثر تكلفة سيؤدي استخدامها إلى رفع تكلفة الإنتاج مقارنة باستخدام الوقود الأحفوري.
ينعش سوق الوقود الأحفوري
يرى الدكتور جيمس تشارلز، الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة، أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ سينعش سوق الوقود الأحفوري من خلال تخفيف القيود المفروضة على إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة.
وقال في حديث لـ "الاقتصادية" إن القرار "سيمكّن الولايات المتحدة من الاستفادة من الاحتياطيات غير المستغلة، ويوفر فرص عمل، ويعزز الاقتصاد، ويقلص معدلات التضخم."
ويبرز الانسحاب الأمريكي بعض التناقض بين أهداف النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. وبينما يعتقد مؤيدو القرار أنّه سيعيد تنشيط قطاع الطاقة التقليدية بإزالة السياسات التقييدية، فإن المنتقدين يرون أن هناك تكاليف بيئية واقتصادية طويلة الأجل.
وعبر مايكل نوفاك، الخبير في المجال البيئي، في حديث لـ"الاقتصادية" عن خشيته من أن تشجّع خطوة ترمب شركات النفط والغاز العالمية على زيادة ضخمة في إنتاجها، ما يرفع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
من جانبه، يرى الدكتور إس. دي. كريس، الخبير في الاقتصاد العالمي، أنه "بينما يقوّض القرار الأمريكي التعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة، فإنه في الوقت ذاته يحفّز عن غير قصد الابتكار المحلي".
الاقتصاد حصان رابح
قال كريس في حديث لـ"الاقتصادية" إن الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا "ستزيد استثماراتها في التقنيات المتجددة لموازنة نقص الدعم الفيدرالي. وهذا سيعزز عديدا من التقنيات الجديدة في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح."
وأضاف "كما أن الخطوة الأمريكية ستؤدي إلى استقرار أسعار النفط العالمية من خلال تقليل الضغوط على منتجي الوقود الأحفوري، وهذا ما حدث عند انسحاب الإدارة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017".
وأوضح أن "البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة تشير إلى استقرار أسعار النفط الخام عند نحو 60 دولارًا للبرميل في السنوات التي أعقبت الانسحاب".
ويرى فريق من المحللين أن الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس يوفر رؤية عالمية أكثر توازنا لبناء تعاون حقيقي وواقعي في ظل حاجة الاقتصاد الدولي لكل مصادر الطاقة المتاحة، سواء كانت متجددة أو من الوقود الأحفوري.
هذا الفريق المتفائل بالقرار يتوقع أيضا أن تقلّص خطوة الانسحاب الانتقادات "غير الموضوعية" التي تشنها جماعات البيئة الدولية على جانب العرض، التي يرون أنها تتجاهل الطلب الذي يتركز في الدول الصناعية الكبرى.
غير أن البعض يرون من جهة أخرى أن من شأن القرار إفساح المجال أمام الصين للهيمنة على عديد من صناعات الطاقة النظيفة.