الخوارزميات تعشعش في المكتب البيضاوي

صرنا شهودا لمشهدية لا سابق لها في التاريخ، أثرياء العالم الذين يمتلكون ناصية تصميم الخوارزميات وما يتبعها من ذكاء اصطناعي صاروا جزءا من إدارة أعظم وأقوى إمبراطورية شهدها التاريخ ألا وهي الولايات المتحدة.

كثيرة هي القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منذ تسلمه السلطة في العشرين من (يناير). في الحقيقة هناك سيل من المراسيم الرئاسية غيّرت المشهد في كثير من المضامير في واشنطن على عقبيها.

ولكن شخصيا ما شدني هي الطريقة التي نجح فيها الرئيس ترمب في الاستحواذ على قلوب وعقول عمالقة التكنولوجيا الحديثة، أي أصحاب الشركات الخوارزمية التي تقبع على رأس ثورة الذكاء الاصطناعي.

في فترة رئاسته الأولى، كان ترمب في عداوة وخصام واضحين مع أغلب هذه الشركات، بيد أن رئاسته الثانية التي بدأت للتو وستستمر لـ4 سنوات شهدت تحولا جذريا.

لم يقبل ترمب أن يدخل البيت الأبيض ويجلس على مكتب عمله الرسمي إلا وعمالقة التكنولوجيا بجانبه.

لا يجوز النظر إلى المبادرة الترمبية هذه وكأنها حدث عابر أو نزوة أو مشهد علاقات عامة.

العالم دخل مع هذه المبادرة عصرا جديدا، وهو عصر الخوارزمية، فيه سيكون للخوارزمية وما تجترّه من ذكاء اصطناعي خارق وخلاق دور في قيادة العالم.

لأول مرة في التاريخ يكون للآلة والماكينة المخورزمة نصيب في حكم العالم، ولا يجوز أبدا الاستهانة أو الانتقاص من دور الخوارزمية في مشاركتها القيادة أو حتى توليها القيادة. أوليست الخوارزمية هي التي تدير أهم حلقات الشركات العملاقة المنضوية تحت Meta Platforms مثلا؟

مشهد حضور عمالقة الشركات الخوارزمية والذكاء الاصطناعي حفل تنصيب الرئيس الأمريكي مع رؤساء وكبار الشخصيات في العالم حدث تاريخي.

لن أسرد ما تمثله هذه الشركات الخوارزمية من قوة مالية واقتصادية ومن ثم سلطة تكاد تكون مطلقة على الخطاب واللغة والتواصل حول العالم، بيد أن القيمة السوقية لـ7 منها وهي: Apple وNvidia وMicrosoft وAlphabet وAmazon وMeta Platforms وTesla تفوق 17 ترليون دولار، وهذا يزيد على قيمة الناتج القومي الإجمالي لدول السوق الأوروبية مجتمعة.

والأنكى أن كل هذه الشركات الخوارزمية المهولة قد لا يزيد عمرها على 30 عاما، أي لم يكن لها أثر قبل 3 عقود.

العالم وقف مدهوشا أما إعلان الرئيس ترمب يوم الثلاثاء الماضي أن 3 كيانات وحسب، ستستثمر ما قيمته نصف ترليون دولار لتحسين وتعزيز البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وهي البلد الذي للتو يبرز للدنيا في هذا المضمار.

هذه إمكانيات مهولة والله أعلم إلى أين نحن ذاهبون والخوارزميات صارت شريكا في قيادة العالم.

الثورة الخوارزمية ليست ثورة صناعية تقليدية أبدا. إنها تختلف كليا عن أي ثورة صناعية شهدها العالم، إنها ثورة لا تنتج لنا بضائع صناعية، ثورة الطباعة أنتجت لنا كتبا بكميات كبيرة. وهذا شأن كل الثورات الصناعية التقليدية مثل الكهرباء والذرة وغيرها التي يقودها الإنسان حسب مشيئته وإرادته وقراراته.

الثورة الصناعية التقليدية ليست في إمكانها قيادة نفسها بنفسها وإنتاج أفكار لوحدها واتخاذ قرارات.

الخوارزمية وذكاؤها الاصطناعي أخذ ينتج الأفكار أي صار في إمكانها أن تفكر لوحدها وتتخذ القرارات باستقلالية تامة دون تدخل بشري.

خذ السلاح التقليدي، الذي فيه قرار استخدامه بيد حامله.

أما السلاح الخوارزمي فهو يأخذ القرار بنفسه ويفتح النار دون إذن من أحد ويقتل ويعرف من سيقتل مقدما وقد يكون في إمكانه يوما ما شن حرب.

البشر يتعامل اليوم مع آلات وأدوات حية أخذت تضاهيه وقد تبزه في المستقبل القريب من حيث المقدرة على التفكير والخلق والإبداع.

المطبعة هي حقا ثورة صناعية غيرت وجه العالم ولكن ليس في إمكانها تأليف كتاب. كل ما في إمكانها هو نشر أفكارنا وكتاباتنا.

الخوارزمية وما يتبعها من ذكاء اصطناعي في إمكانها وبسهولة تأليف كتاب ونشره، ليس كتابا واحدا بل كتبا لا حصر لها.

هل سيفلت زمام قيادة الخوارزمية من يدنا؟ بمعنى آخر هل ستقودنا الخوارزمية في المستقبل ونصبح نحن مجرد مواطنين في دولة خوارزمية؟

أخشى أننا على أعتاب عهد مثل هذا بعد أن دخلت الخوارزمية إلى البيت الأبيض وصار لها مقعد بجانب المقعد الذي يجلس عليه أقوى رجل في العالم اليوم، وهو رئيس الولايات المتحدة.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي