مفتاح تضييق فجوة التنمية

في 2015، تعهدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع بالعمل على تحقيق "السلام والازدهار للناس والكوكب" من خلال تحقيق 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030. ورغم أن الأجندة كانت غير مسبوقة في طموحها - القضاء على الجوع، وتضييق فجوات التفاوت، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ووقف تغير المناخ، وضمان القدرة على الوصول إلى المياه والصرف الصحي والطاقة - فقد توقع كثيرون أن العالم سيحرز تقدما كبيرا. في الاتجاه المعاكس.

لكن الأمل لا يزال باقيا. يحمل قطاع واحد مفتاح إغلاق نصف فجوات التنمية المستدامة العالقة: الأنظمة الزراعية والغذائية في إفريقيا. فالقارة موطن لأكثر من نصف الأشخاص الذين يواجهون الفقر المدقع، وأكثر من نصف أولئك الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. يعاني واحد من كل خمسة أشخاص في المنطقة نقص التغذية، ويعاني واحد من كل ثلاثة أطفال تقريبا التقزم. كما أن إفريقيا موطن لنحو خُـمس القوى العاملة الزراعية على مستوى العالم.

وعلى هذا فإن الاستثمار في الأنظمة الزراعية والغذائية الإفريقية من الممكن أن يخلف تأثيرا كبيرا، بما يسمح لنا بالتصدي لمجموعة من القضايا الشائكة ــ من الجوع وسوء الصحة إلى الفقر ونقص التعليم ــ على النطاق اللازم لمواكبة نمو سكان إفريقيا، الذي من المتوقع أن يتضاعف إلى 2.4 مليار نسمة بحلول 2050.

العقبة الأكبر بطبيعة الحال هي عقبة مالية. ذلك أن الأنظمة الزراعية والغذائية الإفريقية تعاني نقص التمويل بدرجة خطيرة: إذ يتلقى القطاع أقل من 3% من أموال التنمية العالمية وأقل من 5% من إجمالي الاستثمارات في إفريقيا من مجموع تمويل التنمية العام والخاص.

يحصل المزارع الإفريقي العادي على أقل من 140 دولارا أمريكيا في السنة من إجمالي الاستثمارات، وهذا أقل كثيرا من الأرقام المناظرة في الهند (800 دولار) أو البرازيل (1800 دولار) أو تايلاند (2000 دولار). الواقع أن بعض البريطانيين والأمريكيين ينفقون أكثر من ذلك على القهوة في غضون شهر واحد.

تسبب هذا النقص المزمن في التمويل في خسائر فادحة. إذ تقل الإنتاجية الزراعية الإفريقية بنحو 60% عن المتوسط العالمي، ومن المتوقع أن تكلف واردات الأغذية القارة 110 مليارات دولار سنويا بحلول 2030. ولكن بالاستعانة برأس المال الموجه والاهتمام المستمر، من الممكن أن تتبدل هذه الحال. إن تعزيز الإنتاجية الزراعية من شأنه أن يساعد على إطعام عدد متزايد من السكان، والحد من الاعتماد على الواردات، وحماية التنوع البيولوجي، واستعادة صحة التربة.

لكن إطلاق العنان للفوائد العالمية يستلزم مشاركة عالمية. ما يدعو إلى التفاؤل أن الأنظمة الزراعية والغذائية الإفريقية تشكل فرصة تجارية مقنعة. فإضافة إلى حقيقة مفادها أن القارة تضم قوة عمل شابة متزايدة المهارة، فضلا عن قدر كبير من الأراضي الصالحة للزراعة المتبقية على مستوى العالم، تعد الاستثمارات في أنظمتها الغذائية أكثر فاعلية في زيادة الدخل بمقدار 2.5 إلى 3 مرات مقارنة بتلك في قطاعات أخرى.

المستثمرون أيضا بوسعهم تحقيق مكاسب من خلال الجمع بين الاستثمارات الزراعية والغذائية والاستثمار في البنية الأساسية مثل الطاقة، والمياه، والتكنولوجيا، وهذا كفيل بتحويل الأنظمة الزراعية الإفريقية إلى مصادر رئيسية للنمو.

وتقوم مئات من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بالفعل بنقل المدخلات، وتوفير الخدمات، ونقل مئات الملايين من الأطنان المترية من الأغذية بين المناطق الريفية والحضرية كل يوم. وهذه قاعدة قوية يستطيع المستثمرون البناء عليها.

في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام في دافوس، تُـطـلِـق منصة ATLAS تحدي "2x30" الذي يدعو كبار ممولي التنمية إلى الالتزام بمضاعفة إجمالي الاستثمارات السنوية (من نحو 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار) في الأنظمة الزراعية والغذائية في إفريقيا بحلول 2030. لضمان تحقق التمويل الإضافي بالفعل وقدرته على تحقيق أثر ملموس، يجب تَتَبُّعْه بالاستعانة بمقياس سنوي للاستثمار.

تعد زيادة الاستثمار خطوة أولى نحو بناء أنظمة غذائية إفريقية أكثر إنتاجية واستدامة ومرونة. إن دعم المزارعين في إفريقيا ليس مجرد فرصة، بل هو ضرورة أساسية لتحقيق أهداف التنمية العالمية.

خاص بـ"الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي