معادلة الصحة والاقتصاد في السعودية
شهد القطاع الصحي في السعودية تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة مدفوعاً برؤية 2030 الطموحة، أعلن وزير الصحة عن تغيير اسم نموذج الرعاية الصحية الحديثة إلى "نموذج الرعاية الصحية السعودي"، فما الدلالات الاقتصادية لهذه التحولات؟
النموذج الصحي الحديث في السعودية يعتمد على استثمارات طويلة الأجل في صحة المواطن والمقيم، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج إستراتيجية تعزز جودة الخدمات الصحية مع خفض التكاليف التشغيلية طويلة المدى، أي إننا أمام نموذج شامل للاستدامة والكفاءة الصحية.
تدير شركة الصحة القابضة التجمعات الصحية الـ20 في جميع مناطق السعودية، هذا التحول يعكس النظرة الاقتصادية الحديثة التي ترى الصحة استثماراً إستراتيجياً لتحسين جودة الحياة وزيادة مشاركة القطاع الصحي في الاقتصاد الوطني، حيث استفاد أكثر من 28 مليونا من خدمات التجمعات الصحية التي نُفذت خلال 2024 ما يعزز من دور القطاع الصحي في الاقتصاد الوطني.
تطبيق "نموذج الرعاية السعودي" وفقا لتصريحات وزير الصحة، أسهم في خفض الوفيات المبكرة من الأمراض المزمنة بنسبة 40% وتقليل وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%، هذا النجاح يعزى إلى منهجية التعامل المبكر والاستثمار في تقنيات الإسعاف والنقل الطبي، إضافة إلى الكشف المبكر عن بعض أنواع السرطانات، هذه النتائج المباشرة تجسد الأثر الاقتصادي لهذا النموذج من خلال توفير التكاليف الباهظة المرتبطة بعلاج المراحل المتقدمة من الأمراض.
تشمل الفوائد الاقتصادية لنموذج الرعاية الصحية السعودي تحسين كفاءة التشغيل من خلال تقديم خدمات متطورة تعتمد على التقنية، مثل العيادات الافتراضية وتطبيق "صحتي" الخاص بالوصول إلى المعلومات الصحية. هذه الخدمات تسهم في تحسين الوصول إلى الرعاية الطبية وتقليل التكاليف من خلال تقليل الحاجة إلى زيارة المستشفيات الفعلية وتوفير الوقت والجهد، فالاستثمار في التقنية ينعكس إيجاباً على اقتصاد القطاع الصحي.
لتعزيز فهم الجوانب الاقتصادية للنموذج الجديد في الرعاية الصحية، وضعت شركة الصحة القابضة الأجيال القادمة في قلب إستراتيجيتها، تتضمن هذه الإستراتيجية مبادرة التعليم الطبي في المدارس، التي بدأت في الرياض وتهدف إلى تدريب 20 ألف مسعف أولي، وتسعى إلى إنقاذ الأرواح وتقليل التكاليف المرتبطة بحالات الطوارئ من خلال بناء قدرات المجتمع بالمهارات اللازمة للتعامل مع الأزمات الصحية.
إضافة إلى ذلك، يركز النموذج على الرعاية الوقائية للأطفال، الذي يهدف إلى الكشف المبكر عن الأمراض، هذا النظام الوقائي لا يقتصر على تحسين الصحة العامة للأجيال القادمة، بل يوفر على السعودية تكاليف باهظة على المدى الطويل من خلال تقليل الحاجة إلى العلاجات المكلفة والإجراءات الطبية الطارئة.
ختاما: تُعد النماذج الاقتصادية في الرعاية الصحية من أكثر القضايا تعقيدا، إذ تجمع بين الأبعاد الإنسانية، والتكاليف، وكفاءة التشغيل وقدرات الدول وإمكاناتها الوطنية. السعودية تسير بخطى ثابتة نحو تطبيق نموذج صحي عالمي يرتكز على الإدارة الاقتصادية الاستباقية والوقاية قبل العلاج، في إطار ما يعرف بـ"نموذج الرعاية الصحية السعودي"، وهذا النموذج يعكس رؤية القيادة السعودية التي تضع صحة الإنسان دائماً في المقام الأول.