التشريعات العقارية في ميزان الاقتصاد

يُعد القطاع العقاري جزءًا حيويًا من الهيكل الاقتصادي لأي دولة، ولا يقتصر دوره على كونه سوقًا لتبادل الملكيات والممتلكات، بل يمثل انعكاسًا فعالاً للعلاقة بين الإنسان والمكان، وبين الاقتصاد والمجتمع، وبين الحاضر والمستقبل.

في صلب أي نظام اقتصادي ناجح، تأتي التشريعات كأداة لضمان العدالة والتوازن بين الأطراف المختلفة، وهذا التوجه يتجاوز الوظيفية التنظيمية للقوانين ليصل إلى مستوى أعمق، حيث تصبح التشريعات وسيلة لتحقيق ما يعرف بالعدالة التوزيعية التي تهدف إلى الاستدامة الاقتصادية.

واليوم، سنتحدث عن التشريعات والتنظيمات في القطاع العقاري، التي تهدف إلى بناء سوق عقارية شفافة ومستدامة تحقق التوازن بين المصالح المختلفة، وتجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وفقًا لتصريح وزير البلديات والإسكان، فقد تم إصدار أكثر من 20 تشريعًا عقاريًا لتنظيم القطاع العقاري، ومن أبرز هذه التشريعات نظام التسجيل العيني للعقار، حيث تم الإعلان عن جاهزية أكثر من مليوني وحدة عقارية للتسجيل، مع خطة لتغطية 80% من عقارات السعودية بحلول 2028.

يمثل التسجيل العيني نقلة نوعية في توثيق العقارات بدقة وشفافية، ويحفظ حقوق الملاك، كما أنه يمثل الحجية المطلقة في الإثبات. أما على المستوى الاقتصادي، فيعزز الثقة بالسوق، ويسهم في تحسين مؤشرات السعودية عالمياً في مجالات تعزيز الانفتاح الاقتصادي، ودعم الحرية الاقتصادية، ورفع مستوى الكفاءة التنظيمية.

ومن الجدير بالملاحظة أن نظام الوساطة العقارية يُعد من التشريعات التي نظمت أشكال التعاقد بين الأطراف المتعاملة في السوق العقارية، وعزز حركة التبادل واستقرار التعاملات وفق نهج مستدام. كما أنه نظام يدعم وضوح الخدمات، ما يعزز تصنيف الصفقات والعمليات التجارية (Transactions) التي تمثل جوهر النشاط الاقتصادي في القطاع العقاري، مثل التسويق، وإدارة الأملاك، والمزادات، والإعلانات، والاستشارات، والتحليلات العقارية.

ومن جانب تحفيز العرض المستقبلي واستدامة السوق، يمكن النظر إلى نظامي المساهمات العقارية ونظام بيع وتأجير المشاريع العقارية على الخارطة كأدوات تحفيز العرض، وأدوات للتوازن الديناميكي من خلال تشكيل العلاقة بين العرض والطلب في السوق العقارية، بما يتجاوز الأطر التقليدية للاقتصاد العقاري، فهذه الأنظمة لا تقتصر على كونها وسائل تنظيمية أو سد الفجوة التمويلية، بل تجسد فلسفة اقتصادية تستهدف تعزيز الكفاءة الإنتاجية وتقليل الهدر وضمان استدامة واستغلال الزمن عبر تقاسم المخاطر بين المطورين والمستثمرين والمشترين، وكلها تقلل من الاعتماد على رأس المال التقليدي.

وقد أسهم هذا النظام في تحقيق نمو ملحوظ خلال العام الماضي، وفقًا لتصريح الوزير في افتتاح منتدى مستقبل العقار 2025، حيث تم إصدار 192 رخصة لمشاريع تجاوزت قيمتها 147 مليار ريال، ما يعكس مدى تأثير هذه التشريعات في تحفيز الاستثمار العقاري.

ختامًا، لا تُعد التشريعات العقارية في السعودية، من منظور الاقتصاديين، مجرد استجابة تنظيمية مجردة، بل هي جزء من هندسة اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحرية الاقتصادية، والتنظيم الحكومي، مع ضمان ديناميكية تنافسية ومستدامة وشفافة للعرض والطلب والتملك، وذلك في إطار مستهدفات الرؤية السعودية 2030، وكذلك تلبية متطلبات النمو الاقتصادي المستقبلي لما بعد هذه الرؤية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي