قمة باريس للذكاء الاصطناعي .. صراع ثلاثي الأقطاب حول التنظيم والابتكار والتكلفة
كشفت قمة باريس للذكاء الاصطناعي 2025 عن اندفاع عالمي نحو مستقبل يقوده الذكاء الاصطناعي، وسط تصاعد حدة المنافسة ثلاثية الأقطاب بين الولايات المتحدة، الصين، وأوروبا في هذا المجال.
رغم غياب الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، عن القمة، فقد شاركت نخبة من المسؤولين الحكوميين والمديرين التنفيذيين في كبرى شركات التكنولوجيا، لمناقشة الفرص والتحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي.
خلال القمة، قدم كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، ونائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ قوه تشينغ رؤى متباينة تماما حول تطوير الذكاء الاصطناعي، ما سلط الضوء على البعد الجيوسياسي الحساس لهذه الصناعة سريعة التطور.
ومع الإعلان عن استثمارات بمليارات الدولارات، بات من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد حدود تكنولوجية مبتكرة، بل أصبح ركيزة أساسية في سباق القوة العالمية.
يشار إلى أن القمة التي عقدت في باريس بمشاركة 61 دولة، قررت إنشاء هيئة جديدة تضم عمالقة التكنولوجيا، تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في حماية مواقع التراث والآثار الرئيسية، وإنشاء حلول تكنولوجية مبتكرة لرصد وتوثيق التراث المهدد بالانقراض.
وأطلقت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي أمس، "HeritageWatch.AI"، وهي هيئة مستقلة غير ربحية، تضمّ 4 منظمات هي: planet وALIPHFoundation وiconem وMicrosoft.
وأعلنت داتي أنه "سيتم تزويد مواقع التراث الثقافي بأدوات جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي، للمساعدة على حمايتها من الحروب والكوارث الطبيعية".
ترى كيري مكارثي، أستاذة برمجيات الذكاء الاصطناعي، أن القمة منحت الرئيس ماكرون فرصة للتحدث باسم أوروبا، وإعلان عودة القارة إلى سباق الذكاء الاصطناعي، بعد أن شكك البعض في قدرة الاتحاد الأوروبي على مجاراة الولايات المتحدة والصين. غير أن هذه العودة كشفت، برأيها، عن تباين واضح بين النهجين الأوروبي والأمريكي في التعامل مع القطاع.
وفي حديثها لـ "لاقتصادية"، أوضحت ماكرثي أن تأكيد ماكرون على أهمية التنظيم لتقليل المخاطر صاحبه الإعلان عن استثمارات بقيمة 100 مليار يورو، تشمل شراكة مع الإمارات لتطوير مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في فرنسا. ومع ذلك، كان واضحا من كلمة نائب الرئيس الأمريكي أن واشنطن تحذر من الإفراط في القوانين المنظمة للقطاع، خاصة في الاتحاد الأوروبي."
وأضافت "بينما يتحدث الأوروبيون عن التنظيم، تركز واشنطن على الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. إنهما مدرستان مختلفتان تماما."
ويرى عدد من الخبراء أن النهج الأمريكي في تطوير الذكاء الاصطناعي هجومي إلى درجة قد تلامس حدود العدوانية، ويبدو أن مبادرة ستارجيت التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب في يناير 2025 باستثمارات تصل إلى 500 مليار دولار لتعزيز البنية التحتية للحوسبة، ستمنح الشركات الأمريكية ميزة تنافسية كبيرة، ما يسمح لها بالاحتفاظ بهيمنتها على القطاع.
لكن القمة كشفت أيضا عن مخاوف أوروبية بشأن استمرار شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، مثل جوجل وميتا ومايكروسوفت، في احتكار تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمثل مصدر قلق متزايد لدى صناع القرار في الاتحاد الأوروبي.
ولم تسلط القمة الضوء على الصراع الأمريكي الأوروبي فقط ولكنها أبرزت أيضًا خطورة الإستراتيجية الصينية في هذا المجال، خاصة مع ظهور شركات مثل "ديب سيك"، التي طورت نظم ذكاء اصطناعي قوية بتكلفة أقل بكثير من نظيراتها الأمريكية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور بيل إستر، أستاذ الاقتصاد الآسيوي لـ "الاقتصادية" يختلف النهج الصيني جذريا عن نظيريه الأمريكي والأوروبي، فبينما تركز الولايات المتحدة وأوروبا على النماذج القائمة على السوق، تسعى بكين إلى بناء أنظمة ذكاء اصطناعي مدعومة من الدولة، مع استثمار ضخم في تصنيع أشباه الموصلات، الحوسبة الفائقة، والتطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي."
يذكر أن قمة باريس مهدت الطريق لمنافسة عالمية شرسة في 2025 وما بعده، حيث يسعى كل طرف إلى فرض رؤيته الخاصة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، سواء كان ذلك من خلال الابتكار المفتوح، التنظيم الحكومي، أو الهيمنة التجارية، بحسب ما رأه محللون، أكدوا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تكنولوجية، بل أصبح محورا لصراع القوى الكبرى في القرن الـ 21.