هل تصبح الوجبات السريعة هدفاً لحركة "لنعد لأميركا صحتها"؟
عقد السيناتور الجمهوري عن ولاية ويسكونسن رون جونسون حلقة نقاش في سبتمبر تناولت قضايا الصحة والتغذية، ويمكن اعتبارها اجتماعاً افتتاحياً لحركة "لنعد لأميركا صحتها".
جاء ذلك بعد أسابيع من نشر صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالاً بقلم روبرت كينيدي الابن حمل العنوان نفسه واقترح فيه برنامج عمل لإدارة ترمب قبيل تنصيبها.
شهدت الفعالية مداخلات لأطباء وناشطين ومؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استعرضوا خلالها أسباب تدهور صحة الأمريكيين وسبل معالجتها.
استهداف شركات تعليب الطعام
قبل أشهر من ترشيحه لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في إدارة ترمب، نصّب كينيدي نفسه زعيماً لتحالف موسّع يضم متخصصين في العافية ومناصرين للزراعة التجديدية ومناهضين للمأكولات المعدلة وراثياً واللقاحات.
تحدث كينيدي بعد جونسون مباشرة ليشخص الوضع في الولايات المتحدة، وقال إن الأمريكيين "يزدادون مرضاً واكتئاباً وسمنة وعقماً بمعدلات متسارعة، ما يهدد أمننا القومي ويستنزف ميزانيتنا الوطنية نتيجة تكاليف الرعاية الصحية".
وجّه كينيدي أصابع الاتهام في الدرجة الأولى إلى المأكولات فائقة المعالجة، ومنها وجبات الغداء المدرسية التي غالباً ما تُشترى بواسطة قسائم الطعام. لقد أشار ترمب في خطاب النصر في 6 نوفمبر إلى منح كينيدي صلاحيات واسعة ليعيد بناء قطاع الصحة العامة.
حتى الآن، ينصب تركيز كينيدي وتيار "لنعد لأمريكا صحتها" على شركات تعليب الطعام. فما يمنع أن يطال هجومهم القطاع الأشهر من حيث الإضرار بالصحة في الولايات المتحدة، أي الوجبات السريعة؟
حتى نفهم لماذا لم يأت بعد الوقت الذي يستطيع فيه المديرون التنفيذيون في مجال الوجبات السريعة أن يتنفسوا الصعداء، علينا أن نبدأ مع فاني هاري، الشهيرة باسم "فود بيب" (Food Babe)، التي تحدثت بعد نحو ثلاث ساعات من انطلاق الطاولة المستديرة في سبتمبر. هاري ناشطة في مجال الغذاء على الإنترنت، تُعرف بمهاجمة كبرى شركات التغذية على خلفية المكونات المثيرة للجدل التي تحتويها منتجاتها.
مواد محظورة في دول أخرى
أطلقت هاري في 2014 حملة استهدفت سلسلة مطاعم "صب واي"تقديمها خبزاً يحوي أزوديكاربوناميد، وهي مركب معروف أيضاً بتسمية "كيماويات سجاد اليوغا" لأنها تُستخدم في صناعة هذا المنتج. بعد الحملة، أعلنت "صب واي" أنها كانت قد بدأت العمل على إزالة هذه المادة من منتجاتها.
بعد بضع سنوات، أُزيلت هذه المادة من الخبز المستخدم لدى "ماكدونالدز" و"تشيك-فيل– إيه" (Chick-fil-A) و"ونديز" (Wendy’s) و"وايت كاسل" (White Castle) و"جاك إن ذا بوكس" (Jack in the Box).
لم تكن هذه سوى واحدة من قضايا عديدة تتبناها هاري. وتقول إن جهودها أسفرت أيضاً عن إزالة "ستاربكس" للون الكراميل من مشروب "لاتيه بامبكن سبايس"، كما دفعت سلسلة مطاعم "تشيبوتليه" (Chipotle) إلى نشر كامل قائمة المكونات التي تستخدمها.
تحدثت هاري خلال الطاولة المستديرة عن مشكلة أساسية تعتري منظومة الأطعمة الصناعية الأمريكية، قائلةً إن "حكومتنا تسمح لشركات الأغذية بالإفلات من العقاب حين تقدم للمواطنين مكونات مؤذية محظورة أو خاضعة لقيود ناظمة مشددة في دول أخرى". وأكدت أن شركات الأغذية "تستمر في بيعنا الأنواع الأكثر ضرراً هنا".
بدل أن تقدم حملتها الأخيرة التي استهدفت الصبغات الاصطناعية التي تحتويها حبوب الإفطار "فروت لوبس" (Froot Loops) كدليل على ما قالت، قدمت مثالاً آخر، هو البطاطا المقلية من "ماكدونالدز" التي تحوي 11 مكوناً في الولايات المتحدة، مقارنة بثلاثة مكونات فقط في المملكة المتحدة. إحدى هذه المكونات هي ديميثيل بوليسيلاوكسين، التي قالت إنها "تُحفظ باستخدام فورمالدهيد" وتُستخدم كعامل مانع للزبد ليزيد الفترات بين الحاجة لتغيير الزيت.
الوجبات السريعة الهدف التالي
تدافع رابطة المطاعم الوطنية عن استخدام ديميثيل بوليسيلاوكسين، وصرحت لبلومبرغ بزنيسويك أن هذا المكوّن حاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء ويُستخدم لمنع زيت القلي من التطاير حفاظاً على سلامة العاملين في المطابخ.
من جانبها، تؤكد "ماكدونالدز الولايات المتحدة" على التزامها بجودة منتجاتها ومكوناتها وعلاقاتها بالمزارعين. قالت الشركة في بيان لبزنيسويك إن "جودة الطعام وسلامته هي الأولوية القصوى لدى ماكدونالدز.. أي ادعاءات مخالفة لذلك لا تستند إلى الواقع.. في 2018 على سبيل المثال، أزلنا المواد الحافظة والمنكهات الاصطناعية والألوان المضافة من مصادر اصطناعية من جميع شطائر البرغر التقليدية لدينا باستثناء الموجودة في المخللات".
اليوم، بعد أن أصبحت كبرى شركات الأغذية المعلبة في مرمى سهام حركة "لنعد لأمريكا صحتها"، لدرجة أن شركة "سماكر" (Smucker) سُئلت عن الموضوع خلال اتصال لمناقشة الأرباح، ينبغي على شركات المأكولات السريعة التأهب لاحتمال أن تصبح الهدف التالي. إن أتباع الحركة لديهم كثير من الأفكار حول طرق تحسين قوائم طعام الوجبات السريعة.
يرى جون رولاك، داعية الزراعة التجديدية، أن هناك فرصة لاستبدال الزيوت النباتية، أي زيوت البذور، التي تناهضها حركة "لنعد لأمريكا صحتها" في قلي البطاطا بالدهن البقري الذي تفضله الحركة. أو كما قال كينيدي في تغريدة في أكتوبر "لنجعل الدهون مادة القلي مجدداً".
رغم أن كثيراً من خبراء الصحة يتفقون مع معظم آراء الحركة المتعلقة بالطعام، إلا أن معارضتها لزيوت البذور بحجة أنها تتسبب التهابات، ما تزال موضع جدل واسع. استباقاً لذلك، أعلنت سلسلة "ستيك إن شيك" (Steak’ n Shake)، التي تتخذ في إنديانابوليس مقراً لها، أنها قررت استبدال زيت الطهي الذي تستخدمه بدهن البقر الشهر الماضي.
مجاراة ترمب المحب للمأكولات السريعة
لم يتضح بعد ما إذا كانت أجهزة الرقابة الغذائية خارج وزارة الصحة والخدمات الإنسانية ستخضع لإرادة حركة "لنعد لأميركا صحتها". ولم يُعرف عن الحزب الجمهوري معارضته شركات المزارع الضخمة أو دعمه للعادات الغذائية الصحية. فقد ألغت إدارة ترمب الأولى بعض الشروط الغذائية التي فرضتها السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما بشأن وجبات الغداء في المدارس، كما سمحت لشركة "تايسون فودز" بصياغة أمر تنفيذي يسمح باستمرار عمل مصانعها خلال جائحة كورونا.
التزمت بروك رولينز، مرشحة ترمب لمنصب وزيرة الزراعة، أمام الكونغرس خلال جلسة تثبيت تعيينها، بتقليص الأطعمة فائقة المعالجة في الوجبات المدرسية، في خطوة فُهمت على أنها من باب التناغم مع مواقف كينيدي. لكن اللافت أن كبير الموظفين الجديد في الوزارة هو الرئيس التنفيذي السابق لـ"الرابطة الوطنية لمعالجي زيت البذور" و"رابطة منتجي زيوت الطعام". إذاً رغم أن كينيدي قد يسيطر على وزارة رئيسية، فإن تأثيره على السياسة الزراعية سيظل محدوداً على الأرجح.
حتى الآن، يبدو أن كينيدي، الذي وصف قبل فترة قصيرة الوجبات السريعة بأنها تتراوح بين "سيئة" و"غير صالحة للأكل" و"سامة"، يجاري ولو ظاهرياً رئيسه المحب لشطائر "بيغ ماك". في نوفمبر، نشر دونالد ترمب الابن صورة جمعت كينيدي والرئيس ترمب وإيلون ماسك ورئيس مجلس النواب مايك جونسون فيما كانوا يهمّون بتناول بعض شطائر "ماكدونالدز"، وجاء في تعليق على الصورة المحرجة "لنعد لأميركا صحتها...بدءاً من الغد".
طمأن كينيدي أعضاء مجلس الشيوخ في جلسة تثبيت تعيينه في يناير، قائلاً: "إن كنتم تحبون شطائر تشيزبرغر أو دايت كوك من (ماكدونالدز) التي يحبها رئيسي، فينبغي أن تتمكنوا من الحصول عليها".
لا مفر من تنظيم قطاع الوجبات السريعة
مع ذلك، قال لي الطبيب الشهير مارك هيمان، المدافع عن الغذاء الصحي وأحد حلفاء كينيدي منذ زمن طويل، إن تنظيم قطاع المأكولات السريعة بشكل ما أمر "لا مفر منه". فالمكونات المثيرة للجدل المستخدمة في هذه الأطعمة، وهي في الغالب نفس الصبغات والمواد الحافظة الموجودة في المنتجات المعلبة، تُصعّب على حركة "لنعد لأميركا صحتها" تجاهلها.
لكن سرعة حصول ذلك مرهونة إلى حد كبير بحجم مطالبة المستهلكين به. فقد أسهم تحول خيارات المستهلكين إلى قضية ذات طابع سياسي في تسليط الضوء على هذه الحركة، بل ودفع بعض الديمقراطيين السابقين لأن يصوتوا للجمهوريين. يمكن للخبراء أن يعتبروا زيت البذور مضراً قدر ما يشاؤون، ولكن إن بدأ المستهلكون يعتقدون ذلك، فسيشكل تحدياً للمطاعم التي تستخدم هذه الزيوت.
بعيداً عن السياسة، لا يرغب كثيرون في معرفة أن البطاطا المقلية التي يتناولونها تحوي على مواد مانعة للزبد لا تُستخدم في بلدان أخرى. وهكذا، فإن قوة حركة "لنعد لأميركا صحتها" لا تنحصر بتمكنها من تغيير القوانين، بل أيضاً قدرتها على نشر المعلومات والتأثير على الرأي العام.
ستكشف الأيام المقبلة ما إذا كانت حركة "لنعد لأميركا صحتها" قادرة على ترجمة انتصارها الانتخابي إلى سياسات حقيقية. رغم صعوبة التنبؤ بما سيحدث يقيناً، إلا أنني أراهن قطاع الوجبات السريعة، الذي يعاني تحت وطأة التضخم وتراجع زبائنه من ذوي الدخل المحدود، قد يجد نفسه قريباً تحت التدقيق كما حدث مع "فروت لوبس". على هذه الشركات أن تأمل أن يقتصر المطوب منهم على إنتاج وجباتها وفق المعايير المعتمدة في المملكة المتحدة، وهو سقف متواضع بلا شك.