الاستثمار في الوقود الأحفوري .. الماضي والمستقبل

على مدى العقد الماضي، استمر الاستثمار في الوقود الأحفوري بوتيرة ثابتة، حيث شكّل هذا المصدر نحو 80% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي. وفقًا لتقرير شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين(REN21)، بلغت حصة الوقود الأحفوري من مجمل مصادر الطاقة العالمية 80.2% في 2019، مقارنة بـ80.3% في 2009، ما يشير إلى استقرار نسبي في الاعتماد على هذه المصادر التقليدية للطاقة.

في رأيي، هذا الاستقرار يعكس استمرار الطلب على مصادر الطاقة التقليدية، رغم الجهود المبذولة في مجال الطاقة المتجددة. في المقابل، شهدت مصادر الطاقة المتجددة نموًا ملحوظًا خلال الفترة نفسها، حيث ارتفعت حصتها من 8.7% في 2009 إلى 11.2% في 2019. على الرغم من هذا النمو، لا تزال الاستثمارات في الطاقة المتجددة تمثل جزءًا صغيرًا مقارنة بالاستثمارات في الوقود الأحفوري. ففي 2020، ارتفعت القدرة الجديدة للطاقة المتجددة بنسبة 45% لتصل إلى 280 جيجاوات، وهي أكبر زيادة سنوية منذ 1999.

بالنظر إلى العقد القادم، أرى أن التوقعات بشأن مستقبل الاستثمار في الوقود الأحفوري تتباين. فمن جهة، تشير بعض التقارير إلى أن الحكومات تخطط لمضاعفة إنتاج الوقود الأحفوري بحلول 2030، ما يتجاوز بكثير المستويات المتوافقة مع أهداف اتفاق باريس للمناخ. وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نوفمبر 2023، تخطط الحكومات لإنتاج نحو 110% من الوقود الأحفوري أكثر مما يتوافق مع حد حصر الاحترار في حدود 1.5 درجة مئوية.

من جهة أخرى، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يؤدي التحول إلى صافي انبعاثات صفري إلى زيادة عامة في وظائف قطاع الطاقة، مع فقدان نحو 5 ملايين وظيفة في مجال إنتاج الوقود الأحفوري، ولكن مع خلق وظائف جديدة في مجالات الطاقة المتجددة. أعتقد أن هذا يشير إلى تحول محتمل في الاستثمارات نحو مصادر الطاقة النظيفة، خاصة في ظل الضغوط البيئية المتزايدة.

تؤدي السعودية دورًا حيويًا في استقرار أسواق الطاقة، حيث تعمل من خلال منظمة "أوبك+" على تحقيق توازن العرض والطلب. كما تسعى إلى رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك عبر برامج تحسين كفاءة الطاقة ومبادرات التحول إلى مصادر طاقة أنظف. ومع ذلك، تواصل السعودية استثماراتها في قطاع النفط والغاز لضمان استدامة الإمدادات العالمية مع تقليل الأثر البيئي.

مع ذلك، تواجه الاستثمارات في الوقود الأحفوري تحديات متزايدة بسبب الضغوط البيئية والمخاوف المتعلقة بتغير المناخ. فقد أظهر تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2023 أن الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة سجلت مستوى قياسيًا جديدًا بلغ 57.4 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في 2022، ما يزيد من الضغط على الحكومات والشركات للحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

في الختام، بينما استمرت الاستثمارات في الوقود الأحفوري خلال العقد الماضي، تشير التوقعات إلى تباين في مسار هذه الاستثمارات خلال العقد القادم. قد يستمر البعض في زيادة الاستثمارات في الوقود الأحفوري، في حين قد يتجه آخرون نحو تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة، استجابةً للضغوط البيئية والاقتصادية المتزايدة. وفي هذا السياق، تبرز السعودية كدولة قادرة على تحقيق التوازن بين الاستفادة من مواردها النفطية وتحقيق التحول نحو مستقبل أكثر استدامة.            
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي