اقتصاد الذكاء الاصطناعي .. الفرص العظيمة والغرائب المدهشة
أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أهم المحركات الاقتصادية في العالم، حيث يعمل هذا الاقتصاد على إعادة تشكيل الصناعات وتوفير فرص جديدة لم تكن متاحة من قبل، تشير التقديرات إلى أن حجم السوق العالمية للذكاء الاصطناعي سيتجاوز 190 مليار دولار هذا العام ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب يصل إلى 37% حتى 2030.
هذا النمو الهائل يظهر زيادة الاستثمارات في قطاعات مثل الرعاية الصحية والقطاع المالي والخدمات الحكومية والقطاع الرقمي والتكنولوجي والاتصالات وغيرها، لقد بلغ حجم التقديرات التي تقدر حجم إسهام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي، 16 تريليون دولار بحلول نهاية هذا العقد مدفوعا بزيادة كبيرة في الإنتاجية وتحسين الخدمات وتوفير منتجات جديدة وإضافة مسارات خبرة واسعة تُعنى بهذا الاقتصاد الذي سيُعد مصدر ثروة عظيمة قادمة لتؤدي دورا رئيسيا ومحركا محوريا في سياسات واقتصاد ومستقبل العالم.
لا شك أن هذه الحقائق عن حجم الاقتصاد والتقديرات حول تأثيره وأهميته لمستقبل العالم والبشرية تحظى باهتمام كبير من قبل صناع القرار والدول العظمى، ما جعل الولايات المتحدة والصين -وهما الدولتان الرائدتان في هذا المجال- تستنفران كل الطاقات وتتبنيان الإستراتيجيات ليكون لهما السبق والريادة في تطوير وتحقيق الأهداف المتعلقة بتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، طمعا في تنمية الاقتصاد وتعزيز الأمن وتوفير فرص جديدة والاستحواذ على أهم ممكنات التكنولوجيا والتقنيات التي يمكنها أن تضعها في المقدمة. الولايات المتحدة والصين مجتمعان تشكلان 70% من حجم الاستثمارات العالمية في هذا المجال وقد يكون هذا المجال ساحة حرب عالمية جديدة إذا لم يتم رسم خريطة للتعاون والتكامل بدلا من سياسة التنافس والاستحواذات التي تتميز بطابعها الحمائي والفردي.
هذا الاقتصاد يثير اهتمام دول العالم التي بدأت تمنح الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي أولوية خاصة كالسعودية التي منحت الروبوت صوفيا في 2017 جنسيتها الوطنية كجزء من مبادرة لتعزيز التكنولوجيا والابتكار، حدث كهذا أثار جدلا واسعا حول حقوق الروبوتات وحدود الذكاء الاصطناعي في العالم.
لقد أصبحت منتجات الذكاء الاصطناعي تثير كثيرا من الجدل، فقد فازت لوحة "مسرح الأوبرا الفضائي" في مسابقة فنية أقيمت في ولاية كلورادو الأمريكية، هذه اللوحة تم إنشاؤها باستخدام أداة MidJourne ما أثار نقاشا حول مستقبل الفن ودور البشر في الإبداع.
وفي كوريا الجنوبية تمكنت شركة DeepBrain AI من تطوير تقنيات تسمح بإنشاء محادثة مع الأشخاص المتوفين بالاعتماد على مخزون الصور والفيديوهات ومحاكاة الشكل والأسلوب وطريقة الحديث للمتوفى لإنشاء محادثة معه.
هذا الهوس بالذكاء الاصطناعي ذهب بالياباني أكيهيكو كوندو بعيدا ليعلن زواجه من روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي وهو ما سلط الضوء على كيفية وإمكانية تغيير الذكاء الاصطناعي لطبيعة العلاقات الإنسانية وتأثيرها في شبكة العلاقات الاجتماعية.
بيد أن قصص النجاح التي قادتها برامج الذكاء الاصطناعي تركت وما زالت تترك أثرا إيجابيا، فشركة Google Health استطاعت توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير خوارزمية قادرة على اكتشاف سرطان الثدي بدقة أعلى من الأطباء البشر قللت من الأخطاء التشخيصية بمعدل 5.7% في الولايات المتحدة و9.4% في المملكة المتحدة وأسهمت في تحسين مستوى الرعاية الصحية للمرضى. كما استطاعت شركة جي بي مورجان تشيز توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والاستشارات للعملاء وفرت لها نحو 360 ألف ساعة عمل بشرية.
قد تقود قصص النجاح المتراكمة في استخدام الذكاء الاصطناعي إلى القلق من فقدان الوظائف وزيادة معدل البطالة وانتشار الفقر الذي قد يقود إلى ارتفاع معدل الجريمة، والحقيقة أن التقديرات بنمو هذا الاقتصاد تشير إلى فقدان عشرات الملايين من الوظائف التي سيتم الاستغناء عنها لصالح تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكن في المقابل سيتم صنع عشرات الملايين من الوظائف التي يحتاجها هذا الاقتصاد الجديد ليدفع بالكفاءة والإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة، كما أن المستقبل قد يشهد تعاونا أكبر بين البشر والآلات، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز القدرات البشرية بدلا من استبدالها.
اقتصاد الذكاء الاصطناعي هو قصة نجاح مذهلة مليئة بالفرص والتحديات. فبينما توفر هذه التكنولوجيا فرصا اقتصادية هائلة، فإنها تطرح أيضا أسئلة أخلاقية واجتماعية عميقة. الغرائب المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تذكرنا بأننا نعيش في عصر غير مسبوق، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تفاجئنا وتدهشنا في كل لحظة، لتجعل المستقبل يعد بمزيد من الابتكارات، لكن أيضا بمزيد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات وربما التنظيمات والتشريعات التي تنظم عملها وتحكم نموها.