لا منتصرا في الحروب التجارية

"حلفاؤنا غالباً أسوأ من أعدائنا على الصعيد التجاري"

دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة


أياً كان شكل الحرب التجارية التي تتصاعد رياحها بصورة متسارعة، فهناك حقيقة واحدة حولها، هي أن كل أطرافها ستتعرض للخسائر. لا رابح في حرب كهذه. حدث في السابق موجات من المعارك التجارية العنيفة، كانت النتيجة أن من شنها كمن شُنت عليه واجه الخسارة. وعندما تكون الأطراف قادرة على فرض تعريفات جمركية إضافية، والأطراف الأخرى لها القدرة على الرد، ستعج ساحة "المواجهة" بمزيد من "العنف" التجاري، خصوصاً أن الحرب التي تتشكل الآن، تشمل الأعداء والحلفاء. ليست هناك معاملة خاصة لهذه الدولة أو تلك، من جهة الحراك الجمركي الأمريكي بقيادة الرئيس دونالد ترمب، الذي يعتقد أن بلاده "مظلومة" تجارياً، ويسعى إلى "إنصافها"، وهذا ما يفسر شعاره المفضل في كل المراحل وهو "أمريكا أولاً".

اتبع "حلفاء" الولايات المتحدة من الأوروبيين، نهجاً هادئاً مع تحرك ترمب لفرض مزيد من الرسوم على صادرات الاتحاد الأوروبي تحديداً، لكن (كما كان متوقعاً) لم ينطلق الرئيس الأمريكي في هذا المسار لكي يتراجع عنه. كان واضحاً، الرسوم سوف تشمل الجميع بدرجات متفاوتة، لكن حتى الدرجات الدنيا، تعد من الناحية الاقتصادية عالية جداً. النهج الهادئ لم يعد له قيمة، تتجه أوروبا إلى الرد القوي أيضاً، خاصة وأنه لم ترد أي إشارة من واشنطن مطمئنة في هذا المجال، وفي مجالات إستراتيجية أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، ووضعية تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتعامل المستقبلي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. المواجهة التجارية صارت حتمية، وعلى الجميع إحصاء الخسائر من الآن، خصوصاً في ظل أوضاع اقتصادية عالمية لا تزال غير مستقرة.

كل الواردات الأمريكية ستخضع لتعريفات جمركية جديدة، من السيارات إلى الحديد والصلب والمشروبات والأطعمة، من كل الدول التي تربطها علاقات تجارية مع واشنطن. وهذا يعني أن الصادرات الأمريكية سوف تتعرض لرسوم انتقامية سريعة أيضاً. رسوم ترمب قد تصل فعلاً إلى 60% على السلع الصينية، وتراوح بين 10 و25%، بمن فيها تلك التي تأتي من كندا والمكسيك اللتين تجمعهما بالولايات المتحدة شراكة تجارية هي الكبرى. لهذه البلدان أيضاً القدرة على الرد، في حين أن أوروبا، التي حاولت أن تبدي ليناً مع توجهات ترمب "العدائية" التجارية، بإعلانها رفع حجم واردتها من الغاز الأمريكي، تملك القوة في رد يصيب السلع الأمريكية بضربات متلاحقة. تكفي الإشارة إلى أن تجارة السلع الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي بلغ العام الماضي أكثر من 975 مليار دولار.

في الشهر المقبل والذي يليه، سيبدأ تنفيذ فرض التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة، بما فيها السيارات. الأمر التنفيذي الذي وقعه ترمب الأسبوع الماضي، يسمح فوراً بفرض رسوم جمركية متبادلة على شركاء بلاده التجاريين ومنافسيها في آن معاً. الرئيس الأمريكي يعتقد بأن ذلك سيوفر مداخيل مالية للخزينة العامة، إلا أنه سيتسبب بارتفاع في نسبة التضخم، بينما عاشت الولايات المتحدة (كما غيرها) لأكثر من عامين في ظل معدلات عالية لأسعار المستهلكين. أي أن الأثر المحلي للتعريفات سيظهر وبصورة سريعة أيضاً، وكذلك الأمر على "الجبهات" الأخرى. مرة أخرى، لا منتصرا في أي حرب تجارية، ولا شيئا يحد من الأضرار المؤكدة لها، سوى تفاهمات منصفة حقاً، علماً بأن تطوير الشراكات بين الأطراف المعنية، يجنبها خوض حرب تجارية، مع تقليل من التوجهات الحمائية التي أثبتت على مر التاريخ، أنها لا تحقق الأهداف المرجوة منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي