الأحد, 11 مايو 2025 | 13 ذو القَعْدةِ 1446


أنعي لكم التحالف عبر الأطلسي الذي عهدناه

تفكير أوروبا في تبني خطة أمنية جديدة مهم لكنه متأخر عشر سنوات

تفاجأت أوروبا بتوجه واشنطن لإدارة ظهرها لحلفائها بعد عقود من التكامل الدفاعي

للمرة الثانية اختارت قوة كبرى مؤتمراً في ميونيخ ليكون منبراً لخطاب غيّر بشدة بنية الأمن العالمي. في 2007، حذر رئيس روسيا فلاديمير بوتين من أن بلاده لن تتبع القواعد التي يضعها الغرب وأنها ستعامل منظمة حلف شمال الأطلسي كقوة معادية. في نهاية الأسبوع، قدمت الولايات المتحدة إشعاراً مشابهاً لحلفائها، وكان ذلك صدمةً للأوروبيين تركت التحالف عبر الأطلسي في موت سريري.

أوغل خطاب نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في ازدراء من كانوا في تلك القاعة، وشمل سلسلة رسائل يُرجح أن تغير الاستشراف الأمني الأوروبي بقدر ما قاله بوتين قبل 18 عاماً. لقد أنتج التحول الذي تلا ذلك ثلاثة حروب (جورجيا في 2008، وأوكرانيا في عامي 2014 و2022)، وإعاد هندسة أسواق الطاقة الأوروبية والمؤسسات الدولية وكتلة عسكرية جديدة لموسكو تضم الصين وإيران وكوريا الشمالية.

تصدير المفاهيم

كانت الرسالة الأولى التي وجهها فانس إلى مؤتمر ميونيخ للأمن هي أن إدارة ترمب تعتزم أن تكون ثورية وأن تصدر ثورتها إلى الخارج. قال: إن زعيم أمريكا الجديد يرى أن معظم الدول الأوروبية تشكل "تهديداً من الداخل"، موحياً بأنه إن كان مقدراً لهذا الحال أن يتغير، فعليهم أن يتجرعوا كأس "فلنعد لأمريكا عظمتها".

لقد تخلت أوروبا حسبما قال فانس عن القيم الديمقراطية الأساسية التي تأسس عليها التحالف عبر الأطلسي، متناسياً أن رئيسه سبق أن حاول الانقلاب على الانتخابات بالقوة. كان نائب الرئيس هناك لتعزيز الساسة ذوي التفكير المشابه على الشاطئ المقابل من المحيط وليبلغ أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعد المؤسسة الأوروبية كخصم في المعركة التي تهتم بها أكثر من غيرها، وهي ضد النظام الليبرالي الذي أقامته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية ودافعت عنه منذئذ.

لتأكيد وصول هذه النقطة، رفض فانس مقابلة المستشار الألماني أولاف شولتس، بل إنه غادر المؤتمر ليلتقي أليس فايدل، الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، صاحب المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بنسبة 20% قبل انتخابات يوم الأحد.

روسيا حليفٌ محتمل

في المعركة الأمريكية الجديدة ضد الليبرالية، ينبغي أن يكون واضحاً الآن أن روسيا يُنظر إليها باعتبارها حليفاً محتملاً. على نحو مماثل، فإن جهود بوتين لبناء مجال نفوذ في أوكرانيا وربما في أوروبا ليست بالنسبة للرئيس دونالد ترمب، انتهاكاً شنيعاً للقانون الدولي. إنها شيء يرغب في تحقيقه للولايات المتحدة أيضاً في كندا وجرينلاند وبنما وخليج المكسيك.

لقد أبلغ فانس رسالته التالية ببساطة من خلال تجاهل مسائل الأمن، وقبل كل شيء أوكرانيا، التي اجتمع زعماء أوروبا ومسؤولو الدفاع لمناقشتها. وقد ألمح إلى أن أوروبا أضعف من أن تستحق التشاور معها أو أن يكون لها مكان على الطاولة مع القوى العظمى التي ستدير المحادثات، وهي الولايات المتحدة وروسيا وربما الصين.

في رده على ذلك، قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بغضب: إن كل هذا "غير مقبول" ومع ذلك، يُرجح أن تقبله أوروبا، فبعد الجلوس بصمت كاد يكون مطبقاً أثناء خطاب فانس، وقف الجمهور وصفقوا بحرارة، مدركين أن الأوروبيين لا يستطيعون التعامل مع انقسام مفتوح مع حليفهم القوي، الذي يكاد يصبح حليفاً سابقاً، لأنهم في الواقع ضعفاء لدرجة أنهم لا يستطيعون التعامل مع روسيا بمفردهم.

سعي تأخر عقداً كاملاً

تبنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مظهر الشجاعة في خطاب سبق ما قاله فانس مباشرة. أبرزت حقيقة أن أوروبا قدمت جماعياً مساعدات لأوكرانيا تفوق ما قدمته الولايات المتحدة وزادت بشدة إنفاقها الدفاعي منذ غزو بوتين الشامل قبل ثلاث سنوات. كلا الادعاءين صحيحان، لكن فاتتها فيهما النقطة الأساسية، وهي أن أياً منهما لم يقترب من أن يكون كافياً. كما أن مقترحاتها لتعزيز الدفاع الأوروبي الآن حيوية، لكنها أتت متأخرة بقدر عقد كامل.

كان الأسبوع الماضي أكثر من مجرد جرس إنذار للأوروبيين. لقد تحققت خلاله أسوأ مخاوفهم. يدرك القادة ومسؤولو الدفاع الآن أنهم بمفردهم، وأنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة للالتزام ببند الدفاع الجماعي في المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، وأن ترمب ليس لديه أي رغبة في إشراكهم في الصفقة التي يأمل بعقدها مع بوتين لإنهاء الحرب.

الأسوأ من ذلك، أنه بعد تحديد شروط التسوية، يعتزم أن تتحمل أوروبا الفاتورة الضخمة، بما في ذلك الضمانات الأمنية لكييف. وهذا شيء يعرفه كل من كان في جمهور فانس هذا الأسبوع -وفي مقدمتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي- أن أوروبا غير معدّة لفعله.

أوروبا تدرك عجزها

النتيجة النهائية هي أن أوروبا ما تزال بحاجة إلى الولايات المتحدة وتعي ذلك، لكن أمريكا في عهد ترمب لم تعد ترى حاجةً لأوروبا. هذا لا يعني أن الإدارة ستنتج الحل السريع للحرب في أوكرانيا الذي تريده. إذ تظل مطالب بوتين بعيدة كل البعد عما يمكن لأوكرانيا قبوله، وكييف لديها صوت في هذا.

لقد ظهرت أولى علامات ذلك في نهاية هذا الأسبوع، عندما قال زيلينسكي إنه لم يقبل بعد اقتراح ترمب بمقايضة أن يتلقى الدعم مقابل نصف الموارد الطبيعية لأوكرانيا. ولماذا يفعل ذلك فيما يتجه الأمر بتزايد على أنه قد يُباع للكرملين على أي حال؟

إن دفع زيلينسكي لإستراتيجية أمريكا القائمة على أن تعمل منفردةً، وقوله إنه لن يلتقي بوتين إلا بعد الاتفاق على موقف تفاوضي مشترك بين جميع حلفاء أوكرانيا. أنا أشك في قدرة أوروبا على أن تسد الفراغ الذي خلفه ما يكاد يكون انشقاقاً أمريكيا. وهذا ليس فقط بسبب نقص الموارد، بل لأن إدارة ترمب تبدو عازمة على استخدام أوكرانيا والقومية كإسفين لتعميق الانقسامات في القارة القديمة، وقد تنجح في ذلك.

هذا هو التحدي الذي يتعين على زعماء أوروبا أن يقبلوه في نهاية المطاف، وأن يفعلوا كل ما يلزم ليكونوا قادرين على ضمان أمنهم الجماعي في نظام ما بعد أمريكا لأن هذه القارة كانت لها تجارب سيئة جداً مع القومية الجامحة. في نهاية المطاف، كان هناك مؤتمر ثالث صنع عصراً جديداً في ميونيخ في 1938، ولم يتبعه "السلام في عصرنا".

خاص بـ "بلومبرغ"           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي