ألمانيا أمام مفترق طرق حرج وأفق ضبابي للتعافي الاقتصادي بعد الانتخابات
تقف ألمانيا عند مفترق طرق اقتصادية حرجة ومشهد سياسي هش يتسم بعدم اليقين، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدتها أمس الأحد.
فاز زعيم المعارضة المحافظ في ألمانيا فريدريش ميرتس في الانتخابات الفيدرالية، متقدما بسهولة على حزب "البديل من أجل ألمانيا" من أقصى اليمين، وعلى الحزب "الديمقراطي الاجتماعي" الذي ينتمي إليه المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس.
وفقا لتقديرات اتحاد المؤسسات الإذاعية العامة في ألمانيا، حصل التحالف البرلماني لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي بقيادة ميرتس، على 28.8% من الأصوات، تلاه حزب "البديل من أجل ألمانيا" بـ20.2%، فيما جاء "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" في المركز الثالث بـ16.2%، وهي أسوأ نتيجة للأخير منذ الحرب العالمية الثانية.
تواجه ألمانيا تحديات اقتصادية جمة، إذ انكمش الاقتصاد العام الماضي بـ0.2%، في ثاني تراجع سنوي له على التوالي، بينما ما زال الإنتاج الصناعي أقل بنحو 15% من ذروته قبل جائحة كورونا.
أسهمت مجموعة من العوامل المتداخلة في هذا الوضع، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة، وزيادة المنافسة العالمية، وبيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، والأداء الضعيف في قطاعي التصنيع والسيارات، إضافة إلى تأثر الصادرات الألمانية بانخفاض المبيعات إلى الصين والتعريفات الجمركية الأمريكية المحتملة، ما أوجد دوامة من المتاعب الاقتصادية لم تتمكن الحكومة الألمانية من الخروج منها.
أفق ضبابي
ترى ثلة من الخبراء أن الأفق الاقتصادي الألماني ملبد بكثير من الغيوم خلال السنوات الأربع المقبلة، بغض النظر عن التركيبة الحكومية المقبلة، والسبب في ذلك التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، التي تخيم على المشهد حاليا.
يعتقد أستاذ الاقتصاد الأوروبي مارك ميرزا أن تولي الرئيس دونالد ترمب السلطة في الولايات المتحدة سيضيف تعقيدات إضافية للاقتصاد الألماني والخطر الأكبر، من وجهة نظره أن ألمانيا لا تمتلك آلية حقيقية وفعالة للتعامل معه.
وقال لـ "الاقتصادية": إن الرسوم الجمركية المرتفعة التي تعهد ترمب بفرضها على الواردات، بما في ذلك تعريفات جمركية محتملة بـ20% على السلع الأوروبية "قد تؤدي إلى انخفاض الناتج الاقتصادي الألماني 1%، ما سيفاقم حالة الركود الاقتصادي الحالية".
وتشير التقديرات إلى أنه على مدى 4 سنوات، قد تكلّف الرسوم الجمركية الأمريكية الاقتصاد الألماني ما يصل إلى 180 مليار يورو، فقد بلغ الفائض التجاري الألماني مع الولايات المتحدة مستويات قياسية أوائل العام الماضي، عندما وصل إلى نحو 65 مليار يورو.
وتتزايد المخاوف اليوم من أن تؤدي أي تدابير أمريكية إلى تعطيل سلاسل التوريد، وخفض الصادرات، وإضعاف القاعدة الصناعية الألمانية، خاصة أن قطاع السيارات، وهو حجر الزاوية في الاقتصاد الألماني، تراجع أداؤه بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وتوقفت بعض مصانع الصلب عن التصدير إلى الولايات المتحدة وسط توقعات بانخفاض إيراداتها بـ6%.
علاج مؤلم وغير مضمون
ويرى الباحث في النظم الاقتصادية روبن دين أن روشتة الإصلاح الاقتصادي في ألمانيا ستكون مؤلمة وغير مضمونة النتائج، بسبب ما يصفه بانقسام الرأي العام الألماني حول كيفية التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية.
وقال دين لـ "الاقتصادية": إن استعادة القدرة التنافسية الألمانية تتطلب مجموعة من الإصلاحات الضريبية الجذرية، وإلغاء القيود التنظيمية إذا لزم الأمر، والتخلص من الديون التي حدت من الاستثمار العام، على أن يترافق ذلك مع تخفيف القيود المالية لتحفيز عمل المؤسسات الاقتصادية الألمانية.
لكنه عدّ "الانقسامات السياسية، والحاجة إلى تشكيل ائتلاف واسع، قد تبطئ وتيرة أي إصلاحات شاملة".
ويعرب بعضهم عن مخاوفهم من أن النموذج الاقتصادي الألماني، القائم على التصدير للخارج واستهداف أسواق محددة، أبرزها الولايات المتحدة والصين، يقترب من الاصطدام بجدار التحديات.
فالصين تواصل نموها الصناعي، ما يقلل تدريجيا قدرة الصناعيين الألمان على التوسع في الأسواق الصينية، كما أن السياسات الحمائية الأمريكية تجعل السوق الأمريكية أقل جدوى اقتصاديا.
وبصرف النظر عن مآلات المشهد السياسي الألماني، فإن الحكومة الجديدة ستكون مطالبة بالموازنة بين الانضباط المالي والحاجة الملحة إلى الاستثمار.
كما أن الإصلاحات البنيوية، خاصة في مجالات السياسة الصناعية وتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الابتكار الرقمي، ستكون ضرورية، بصرف النظر عن الانقسامات الداخلية والرياح الجيوسياسية المعاكسة التي تهدد بقلب النظام الأوروبي رأسا على عقب.