مارك روبينشتاين: لمَ لا يكون بيل أكمان هو الخليفة لوارن بافيت؟

بافيت البالغ من العمر 94 عاماً لا يزال قوياً لكنه يقول "لن يمر وقت طويل" قبل أن يتولى شخص آخر مسؤولية القيادة بعده

تحتوي أحدث رسالة وجهها وارن بافيت إلى المساهمين على المزيج المعتاد من الحكمة والفكاهة بأسلوبه البسيط. لكن الرسالة تتسم أيضاً بنبرة أكثر تأملاً، حيث تعكس التباين بين العمر الافتراضي للشركة ومهندسها الرئيسي. فيما يتعلق بشركة "بيركشاير هاثاواي"، يُبدي بافيت تفاؤله. ويقول: "تموت (تنهار) الشركات لأسباب عديدة، لكن، على عكس مصير البشر، فإن الشيخوخة في حد ذاتها ليست قاتلة". وجاء في الرسالة أيضاً أن "بيركشاير" اليوم أكثر حيوية مما كانت عليه في 1965".
أما بشأن عمره، يتسم بافيت بقدر أعظم من الحذر: "في سن الرابعة والتسعين، لن يمر وقت طويل قبل أن يحل غريغ أبيل مكاني في منصب الرئيس التنفيذي ويتولى كتابة الرسائل السنوية".

القلق من المستقبل بعد رحيل وارن بافيت

من الطبيعي أن يشعر المساهمون بالقلق أو يطرحوا تساؤلات حول مستقبل شركة "بيركشاير هاثاواي" بعد رحيل وارن بافيت وتولي إدارة جديدة. وهذا خطر تشير إليه الشركة نفسها في تقريرها السنوي: "إذا لم يعد بإمكان الموظفين الأساسيين، وخصوصاً وارن بافيت، مواصلة العمل لأي سبب كان. فقد يؤدي ذلك إلى تأثير سلبي جوهري في عمليات الشركة".
رغم أن المساهمين يعرفون غريغ أبيل -تم ترشيحه ليخلف بافيت في 2021 وظهر بجانبه في الجمعية العمومية السنوية العام الماضي- إلا أنه يفتقر إلى خبرة بافيت العريقة في مجال الاستثمار. إن الشخص الذي يمكن أن يكون الوريث الحقيقي لإرث وارن بافيت في التنبؤ بحركة الأسواق قد لا يكون داخل شركة "بيركشاير هاثاواي"، بل يعمل في مكان آخر.
أحد المرشحين المحتملين ليكون خليفة بافيت في عالم الاستثمار هو بيل أكمان، الذي أسس شركة "بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت" (Pershing Square Capital Management) في 2004. كما أن أكمان يُبدي إعجابه الشديد ببافيت منذ سنوات طويلة.
"لقد سمعت لأول مرة عن وارن بافيت من زميل في الكلية عندما كنت في العشرين من عمري"، حسبما كتب أكمان على منصة "إكس" الأسبوع الماضي. "وبعد 4 سنوات من تعرفه على وارن بافيت، قرأت أول رسالة سنوية يوجهها بافيت للمساهمين في بيركشاير هاثاواي، وشعرت بإلهام قوي لدخول عالم الاستثمار". وبصفته مدير صندوق، كان أكمان يحضر اجتماعات الجمعية العمومية السنوية لشركة "بيركشاير" بانتظام، وكان يشارك بنشاط وطرح الأسئلة 4 مرات. كما اشترت صناديقه الاستثمارية التي يديرها أسهماً في شركة "بيركشاير".

أكمان يسعى إلى بناء "نسخته الحديثة"

والآن، يسعى أكمان إلى إنشاء "نسخته الحديثة" من "بيركشاير هاثاواي". في الأسبوع الماضي، قامت شركته الاستثمارية بتعديل عرضها للاستحواذ على حصة في شركة "هوارد هيوز هولدينغز" (Howard Hughes Holdings).
وحال نجاح عرض الاستحواذ، فإن "بيرشينغ سكوير" سوف تمتلك 48% من شركة التطوير العقاري عبر صناديقها الاستثمارية التي تديرها، إضافة إلى الكيان الإداري الذي يستخدمه أكمان لإدارة الاستثمارات.
يهدف أكمان إلى استخدام شركة "هوارد هيوز هولدينغز" كقاعدة لإنشاء شركة قابضة متنوعة تستحوذ على حصص مسيطرة في شركات خاصة (غير مدرجة) وعامة (متداولة في البورصة).
ظاهرياً، يمتلك أكمان المؤهلات المناسبة لتولي المسؤولية. فمثل بافيت، يتمتع بشخصية معروفة للعامة، ويتابعه نحو 1.7 مليون شخص على منصة "إكس".
شهدت الجمعية العمومية السنوية التي عقدها في لندن هذا الشهر حضور نحو ألف شخص، وهو عدد أقل بكثير من 30 إلى 40 ألف شخص يحضرون اجتماعات الجمعية العمومية السنوية لشركة "بيركشاير" في أوماها بولاية نبراسكا، لكنه كان محدوداً بسبب هيكل أكثر تقييداً (حيث يجد المقيمون في الولايات المتحدة صعوبة لحيازة أسهم في شركته المدرجة بالمملكة المتحدة.

أداء أكمان الاستثماري مقارنةً بوارن بافيت

يستخدم كل منهما منصته لنشر فلسفة استثمارية بقدر ما يستخدمها لتسويق مكانته في عالم الاستثمار، على الرغم من أن أسلوب بافيت "البسيط والعفوي" يختلف تماماً عن أسلوب أكمان الحاد الذي يستخدم الإنترنت بقوة للدفاع عن آرائه ومواقفه الاستثمارية. لكن الزمن يتغير، ما قد يجعل أسلوب أكمان أكثر ملاءمة للعصر الحالي.
كما أن أداءه الاستثماري قوي: فمنذ إطلاقها في 2004، حققت صناديق "بيرشينغ سكوير" معدل نمو سنوي مركب بلغ 19.8% بعد خصم رسوم الإدارة، وهو ما يكاد يكون مطابقاً لأداء بافيت البالغ 19.9% على مدى 60 عاماً. ومع ذلك، تنخفض العوائد إلى 16.4% بعد خصم رسوم الأداء.
وتُشكِّل ثروة أكمان نحو 21% من أصول صناديقه الاستثمارية التي يديرها، مقارنةً بحصة بافيت البالغة 14% في "بيركشاير".

شبكة علاقات واسعة لدى أكمان وبافيت

كما أن كلا الرجلين يتمتعان بشبكة علاقات واسعة للغاية. وقال أكمان خلال عرضه التقديمي الذي أعلن فيه عن صفقة "هوارد هيوز" (حصد 107 آلاف مشاهدة): "أعرف تقريباً كل الرؤساء التنفيذيين في أمريكا، وإنني على مسافة خطوة واحدة منهم".
من الناحية العملية، فهما متوافقان أيضاً، إذ يدير كل منهما عملياته بكفاءة عالية مع الحفاظ على معدل منخفض لتغيير الموظفين. توظف "بيركشاير" 27 شخصاً في مقرها الرئيسي، وجميعهم عملوا هناك لفترة طويلة، في حين توظف "بيرشينغ سكوير" 41 شخصاً لدى مقرها الرئيسي في مانهاتن، كما أن أقدم موظف لديها يعمل بها منذ أكثر من 10 سنوات.
على الرغم من مكانته البارزة، فإن أكمان يدير أصولاً بقيمة 16.2 مليار دولار فقط، مقارنةً بالقيمة السوقية لشركة "بيركشاير" البالغة 1.03 تريليون دولار.
في اجتماع الجمعية العمومية السنوية، تحدث أكمان عن الفجوة بين مكانته (شهرته وتأثيره) وحجم الأصول التي يديرها، مشيراً إلى أن صفقة "هوارد هيوز" تمثل خطوة نحو تقليصها. من المؤسف، أن صفقة "هوارد هيوز" قد لا تكون الحل السحري لجميع التحديات التي يواجهها بيل أكمان.
استغل بافيت تدفقات نقدية كبيرة نتجت عن استحواذه على شركة "بيركشاير هاثاواي" الأصلية للنسيج لتمويل صفقات إضافية، لا سيما في قطاع التأمين. وهو يمتلك الآن 189 شركة عاملة إلى جانب محفظته الاستثمارية في الأسهم.
أقر أكمان بأن شركة "هوارد هيوز" لن تكون قادرة على توليد تدفقات نقدية حرة قبل مرور أكثر من 3 سنوات. وكان هيكل شركة بافيت أكثر تنظيماً مقارنةً بالشركات الأخرى. بعد 4 سنوات من شراء "بيركشاير"، أغلق بافيت صندوقه الاستثماري وركز على "بيركشاير" باعتبارها أداته الاستثمارية الرئيسية.
سيواصل أكمان إدارة صندوق الاستثمار المُدرَج في المملكة المتحدة، إلى جانب صندوق تحوط قديم وشركة استحواذ ذات أغراض خاصة؛ كما اقترح إطلاق مزيد من الصناديق الاستثمارية في المستقبل. لكل من هذه الكيانات مجموعة خاصة من أصحاب المصلحة، حتى شركته الإدارية تضم مساهمين من جهات خارجية بعد أن باع حصة منها العام الماضي، وهي أطراف قد لا تتوافق مصالحها بالضرورة.

أكمان يقترح هيكل رسوم جديداً لشركة "هوارد هيوز"

للتوفيق بين بعض هذه المصالح، يقترح أكمان أن تدفع شركة "هوارد هيوز" إلى شركة "بيرشينغ سكوير" رسوماً بنسبة 1.5% من قيمتها السوقية.
في حين يشير منتقدون إلى أن بافيت لا يفعل ذلك مع "بيركشاير"، حيث يتقاضى راتباً قدره 100 ألف دولار سنوياً فقط، يرد أكمان بأن آخرين في مستويات الإدارة العليا لدى "بيركشاير هاثاواي" يحصلون على رواتب كبيرة للغاية، بينهم غريغ أبيل كتعويض نقدي سنوي.
إحدى النقاط التي تصب في مصلحة أكمان، على الرغم من ذلك، قد تكون الوقت. إذ يبلغ من العمر 58 عاماً. كما يوجد شيء آخر يشترك فيه مع بافيت وهو أن الأخير أدرج أسهم "بيركشاير" في بورصة نيويورك عندما كان يبلغ من العمر 58 عاماً، في نوفمبر 1988. في ذلك الوقت، كانت القيمة السوقية لشركة "بيركشاير" تبلغ 5.8 مليار دولار. لا تزال توجد فرص كثيرة أو مجالات كبيرة بمقدور أكمان استكشافها وتحقيق النجاح فيها.

خاص بـ"بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي