التعاقب والتطور القيادي
في خطوة تحديثية لافتة أقر مجلس الوزراء قبل 3 أسابيع البرنامج الوطني للتعاقب والتطوير القيادي. لم اطلع على البرنامج لذلك أكتب عن ما أرى في الموضوع وليس تفاصيل حيثيات البرنامج. أكتب عنه من منظور عدسة التنمية الاقتصادية وإتماما لعمود كتبته بعنوان: إشكالية التعاقب الإداري، الاقتصادية ديسمبر 30 /2014. تتسم برامج التنمية الاقتصادية الناجحة عادة بالمرونة في تعديل وتصحيح وقبول وترك النماذج والبرامج حسب السياسات الجديدة والظروف الموضوعية.
في قلب هذه المرونة دور القيادات الإدارية. يقابل التعاقب الطبيعة البشرية بسبب المصلحة أو الرغبة في الاستقرار أو قوة التعود أو الخوف من الجديد تتشبث دائما بالمألوف والمجرب وهذه عادة من الماضي لذلك هناك دائما مقاومة للتغير والمرونة. التعاقب الإداري والقيادي مفصلي في التنمية الاقتصادية لأنه يهيئ الأرضية للمنافسة الشريفة بناء على الجدارة. التحدي دائما في المضامين والخطوات العملية، والمردود وقياسه.
أحد أوجه التحدي في المستوى الفكري في العلاقة بين الإنتاجية في السعودية ومن خلالها الكفاءة المجتمعية على جميع المستويات لأن الهدف من البرنامج تطوير القيادات القادرة على تحديات كل مرحلة لأن كل مرحلة تختلف عن سابقتها وتتطلب نماذج وأفكار وفرص مختلفة.
التحدي الآخر يأتي في طبيعة توقعات كثيرين في اقتصاد يسيطر عليه القطاع العام لذلك العنوان يشد كثيرين دون مراعاة لأدوات التمكين التي توثر في جودة التعليم واختبارات الجدارة وإثبات التجارب ومراحلها والإنجازات الموثقة.
التحدي الثالث في الجهار البيروقراطي الذي عادة يكون ضروريا للعدالة والانضباط ولكن هذه أحيانا تكون ضد المرونة الضرورية للفرز بناء على الكفاءة والإنجاز. التحدي الرابع أنها جزء عضوي من إدارة الحوافز في الاقتصاد، فالاستعداد لإعادة التراتبية في الأجهزة جزء أساس من التفاعل المتوقع بين الحوافز وجودة الكوادر. الإعداد والتأطير المؤسسي سيكون عملية طويلة حتى يصبح التعاقب تقليدا اعتياديا كعامل رئيس في إدارة المجتمع. في كل مجتمع التعليم والمنافسة في القطاع الخاص يشكلان الاختبار الأولي للجدارة والفرز.
العلاقة بين التعليم والتعاقب القيادي مفصلية. التعليم هو الميدان الأول لفرز التوزيع والتنوع الطبيعي لدى البشر. تذكر الدراسات التربوية أنه من ثاني متوسط يتكون لدينا تقدير لكفاءة الطالب، بعد ذلك يبدأ التمايز بين الطلاب ومن ثم لا بد أن يكون هذا التوزيع إشارة إلى الحاجة إلى تقليل طلاب التعليم العالي، ففي إحدى الجامعات العام الدراسي الحالي تم قبول كل المتقدمين ما يتناقض مع تكريس التعليم العالي للتخصصات التي تطلب قدرات إدراكية أعلى من المتوسط ومرشحين واعدين للقيادة الإدارية.
التساهل في التعليم الجامعي لا يخدم التعاقب القيادي لأنه يرفع التوقعات لمن ليس لديه الممكنات الإدراكية والقدرات التحليلية من ناحية ويكلف كثيرين ماديا ومعنويا دون قيمة مضافة مجتمعيا. ليس هناك نموذج يناسب كل مجتمع ولكن هناك نماذج في سويسرا وسنغافورة والدينمارك وكوريا يمكن التعلم منها.
تتميز هذه الدول بتقليل نسبة من يتجه إلى التعليم العالي بحدود الثلث تقريبا من خريجي الثانوية العامة. الخطوة الثانية تعليميا في تمحيص أعلى للبعثات الخارجية. لا أقترح منع أحد من الدراسة ولكن يجب الخضوع لاختبار جامعة سعودية عالية الكفاءة لخريجي أغلب الجامعات الخارجية وخاصة من دول المنطقة، وحتى من بعض الجامعات الغربية. كذلك هناك حاجة إلى الاختبارات المهنية لمجاراة العالم الخارجي حسب التخصص. مبادرات الأعمال تستهوي نوع من الأفراد يتميز بالمخاطرة والثقة وبعد النظر والمهارة في اقتناص الفرص وهؤلاء عادة يصبحون رجال أعمال وبالتالي إما يحتاجون إلى استقطاب مواهب لإدراة هذه الكيانات أو ربما يستعين بهم القطاع العام لإدارة بعض المسؤوليات المعقدة نظير خبراتهم المتميزة، خاصة أن القلة تنجح دون تعليم عالي.
لم تبدأ السعودية من الصفر حيث هناك كلية الإدارة العامة تحت رعاية كابسارك كنواة لإعداد كوادر تخصصية، والتي جاءت بعد أن قام معهد الإدارة بدور مهم في حقبة مختلفة. جاء قرار مجلس الوزراء في الوقت المناسب لأن الاقتصاد السعودي وصل إلى درجة مع الرؤية المباركة من التعقيد والتطور يحتاج فيها إلى دقة أكثر في اختيار وتعاقب القيادات الإدارية. يقول دوقلاس نورث أن " الحوافز كل شي- بمعنى أن ربما أهم مؤسسة لفهم وتقدير كل مرحلة تنموية إداريا وتوجها"، لكل مجتمع طريق خاص به للتطور، لذلك البرنامج سيكون طبقا لنغم نهج التقدم السعودي في تسلسل منطقي وبوصلة إيجابية يقودها عراب الرؤية والتقدم السعودي ولي العهد.