الصين وأمريكا .. رؤى سياسية فيصلها الاقتصاد
بخطابين مختلفين، على جانبين متقابلين من الكوكب، وضح قائدين من القادة الأكثر نفوذا في العالم نهجين متباينين لتحقيق طموحاتهما الوطنية.
قدم رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ خطابه في العاصمة بكين أمام المجلس الوطنى لنواب الشعب، الذي يضم ما يقارب 3 آلاف ممثل من دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. دعا في خطابه إلى الوحدة للتغلب على العقبات من خلال الابتكار و"الانفتاح" -وهي عبارة قديمة في السياسة الصينية- لتحقيق النهضة الوطنية.
وعلى بعد 7 آلاف ميل وبفارق ساعة واحدة، ألقى الرئيس دونالد ترمب كلمته أمام مجلسي الكونجرس الأمريكي، بحضور أكثر من 500 مشرع يمثلون دولة يبلغ عدد سكانها 340 مليون نسمة، حيث تعهد بفرض رسوم جمركية على الواردات وهزيمة التضخم من أجل "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".
من البيئة المحيطة إلى الأسلوب، كانت الخطب متباعدة جدا. لكنها أظهرت نبرة مماثلة - الرغبة في العظمة في وقت تتعارض فيه مصالح القوة العظمى المهيمنة وأكبر منافس لها. إن المسارات التي يختارها قادتهما ستشكل مستقبل كلا البلدين - وبقية العالم.
الرسوم الجمركية مقابل العولمة
كان ترمب متفائلا بشأن الاقتصاد، ووعد بخطوات – من ضمنها خفض تكاليف الطاقة - لهزيمة التضخم، وهي نقطة مؤلمة لعديد من الأمريكيين. كما تعهد بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات، وهي خطوة زعم أنها ستعزز الصناعات الأمريكية لكنها تهدد بإزعاج النظام التجاري العالمي وإلحاق الضرر بالصين واقتصادها المعتمد على التصدير.
تشعر الصين بالقلق بشأن الانكماش أكثر من التضخم. لكن لي أقر بالتحديات الأخرى التي يواجهها الاقتصاد، وأهمها انخفاض أسعار العقارات وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي. وأكد على "التزام بكين الثابت" بالانفتاح.
وفي بيان كان بلا شك يشير إلى الولايات المتحدة إلى حد كبير، حذر من أن "البيئة الخارجية متزايدة التعقيد والخطورة قد يكون لها تأثيرا أكبر على الصين في مجالات مثل التجارة والعلوم والتكنولوجيا".
الانسحاب من اتفاقية المناخ مقابل التحول الأخضر
تفاخر ترمب بخطوة الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، مشددا على اعتماده على الطاقة التقليدية. كما تفاخر بإنهاء القيود البيئية التي فرضتها الإدارة السابقة وسياسة تبني السيارات الكهربائية، "لإنقاذ عمال السيارات وشركاتنا من الدمار الاقتصادي".
وعلى النقيض من ذلك، تراهن بكين على اقتصاد أكثر اخضرارا. قال لي إن تسريع "التحول الأخضر" في "جميع مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية" سيكون أولوية. تمتلك الصين بالفعل أكبر صناعة للسيارات الكهربائية في العالم. وفي تأكيد للتعهدات السابقة التي قطعها الرئيس شي جين بينغ، قال لي إن الصين ستعمل "بنشاط وحكمة" نحو ذروة الكربون والحياد الكربوني.
كما شدد على أهمية الابتكار وتطوير اقتصاد التكنولوجيا في الصين، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. إنه مسعى يخشى عديد من صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يتحدى تقدم أمريكا التكنولوجي، مع التأثيرات في التنافس الاقتصادي والعسكري بين البلدين.
"أمريكا عظيمة مرة أخرى" مقابل "النهضة" الصينية
في هاذين الشعارين، هناك شيء مشترك: يتوق البلدان إلى العظمة مرة أخرى.
هيمنت الولايات المتحدة، كقوة صاعدة ثم مهيمنة، على النصف الثاني من القرن الـ20 وبداية القرن الـ21. ولا يزال اقتصادها وجيشها الأقوى في العالم. ومع ظهور الصين كقوة صاعدة، تصطدم مصالحها بتزايد وحتمية بمصالح الأمريكيين في التجارة والتكنولوجيا وجزر المحيط الهادئ البعيدة.
افتتح ترمب خطابه بإعلان عودة زخم أمريكا. قال ترمب: "لقد عادت روحنا. وعاد فخرنا. وعادت ثقتنا. والحلم الأمريكي يزدهر بشكل أكبر وأفضل من أي وقت مضى (...) بلادنا على وشك العودة إلى سابق عهدها".
بينما صاغ شي ما أطلق عليه "الحلم الصيني"، الذي من خلاله تنهض الأمة أو تعود إلى مكانة العظمة التي احتلتها القرون الماضية.
لا تريد الصين بالضرورة أن تكون زعيمة بالطريقة التي تتصورها الولايات المتحدة، لكنها تريد أن تعد مساوية. تريد الصين أن يكون لها رأي أكبر في وضع القواعد في نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
ومع سحب ترمب الولايات المتحدة من مجموعات عالمية، فإنه يخلق فرصة أمام الصين لتملأ الفراغ. الأمر غير الواضح هو مدى اعتقاد الحزب الشيوعي أن فعل ذلك يصب في مصلحته وهل هو قادر ومستعد لذلك.