بالأرقام.. العلم السعودي صناعة متكاملة وتجارة رابحة

بالأرقام.. العلم السعودي صناعة متكاملة وتجارة رابحة

إذا كانت مواثيق الأمم المتحدة تنص في تعريفها لمفهوم الدولة الحديثة بأنها تلك التي لديها مساحة محددة من الأرض وخريطة جغرافية واضحة وعلم وطني معروف للجميع، فإن التاريخ يثبت أن السعودية عرفت هذا المفهوم وطبقته قبل ظهور الأمم المتحدة بقرنين على الأقل، يدلل على ذلك ظهور أول علم سعودي في 1750 وقت أن كان يطلق على السعودية "إمارة الدرعية" وكان العلم آنذاك عبارة عن قاعدة خضراء داكنة ومستطيل الشكل يتوسطه هلال مرسوم باللون الأبيض وقد ظل هكذا حتى 1902 حين ضم الملك المؤسس إمارة نجد فاستبدل الهلال بالشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ثم تمت إضافة السيف باللون الأبيض أسفل كلمة التوحيد قبل أن يصدر في 13 مارس 1938 نظام رفع العلم بأمر ملكي نشر في الجريدة الرسمية حينها أم القرى.

منذ تلك اللحظة وعلى مدى نحو قرن لم يطرأ على العلم السعودي أي تغيير في دلالة على أن رسالة آل سعود ثابتة ويحملها جيل بعد جيل. وفي عهد الملك فيصل صدر قانون باسم "نظام العلم" عام 1973 واشتمل على أسس إجرائية للتعامل مع الرمز الوطني وقنن استخدامه وفق الأهداف الوطنية والأعراف الدولية، أما في عهد الملك سلمان فقد اتخذ العلم مكانة خاصة لدى السعوديين وأصبح له يوم خاص للاحتفال به وفقًا للأمر الملكي الذي صدر في 2023 بتحديد 11 مارس من كل عام يومًا خاصة للعلم السعودي وهو اليوم الذي أقرّ فيه الملك عبدالعزيز آل سعود العلم الوطني بشكله الحالي، لتحذو السعودية حذو الدول العظمى مثل إنجلترا التي تحتفي بعلمها في 23 أبريل من كل عام وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تحتفل برايتها في 14 يونيو سنويًا.

لكن العلم السعودي تميز عن بقية أعلام الدول الأخرى حين تحول إلى صناعة متكاملة لها موادها الأولية ومبيعاتها وأرباحها داخل السعودية وخارجها، ولنبدأ من حيث مرحلة تصنيع العلم نفسه إذ يتم تصنيعه من قماش البوليستر الأخضر وهو نوع قماش تتميز السعودية بإنتاجه لدرجة دفعت اليابان إلى عقد اتفاقية في 2022 لإعادة تصنيع هذا النوع من الأقمشة ضمن تعزيز التبادل التجاري الذي وصل ميزانه إلى 41 مليار دولار بين البلدين في 2024، وينفرد البوليتسر السعودي بكونه غير قابل للانكماش ولا يمتص الماء بكثافة ما يجعله الخيار الأمثل لراية ترفرف طوال الوقت.

أما تصنيع العلم نفسه فيتم داخل مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، وذلك عبر خط إنتاج معروف بتطبيق أعلى معايير الجودة، وتحمل الراية الوطنية مقاسات خاصة هي 148 سم في 180 سم وبعد الخياطة والحياكة يصل إلى 100 سم في 150 سم وكتابات كلمة التوحيد بمقاس 36 سم في 83 سم، ونظرًا لأهمية الأعلام وخصوصيتها الثقافية وتقاليدها جلب مجمع الملك عبدالعزيز منذ عامين ماكينة تطريز يابانية باسم "تاجيما" ويصل متوسط سعرها حسب المتاجر الإلكترونية 8 آلاف دولار ومنها ما يصل سعره إلى 25 ألف دولار أمريكي.

إضافة إلى مجمع الملك عبد العزيز، هناك عشرات من مصانع الأقمشة التي تصنع العلم الوطني في الأعياد والمواسم الوطنية وتتفرغ بقية العام لمنتجاتها الأخرى، ولذلك يصعب القول إن هناك مصانع متخصصة في الرايات لكن الأكيد أن هناك عائدا اقتصاديا يعود على تلك المصانع في مثل تلك المواسم.

يؤكد ذلك المرحلة الثانية بعد رحلة التصنيع وهي مرحلة الطرح في الأسواق والبيع، ويتراوح سعر العلم الوطني السعودي داخل السعودية وفقًا للمتاجر بين 25 ريالا وحتى 150 ريالا بحسب المقاس والجودة المطلوبين، أما خارج السعودية فتحقق الراية مبيعات كبيرة إذ يقبل السعوديون في كل مكان في العالم على اقتناء رايتهم والتزين بها، ويبلغ متوسط سعر العلم الواحد في الولايات المتحدة الأمريكية 85 دولارا بينما يصل في المملكة المتحدة إلى 45 يورو وكذلك في مصر يصل إلى 350 جنيها وذلك وفقًا للمتاجر الإلكترونية التي تعرض العلم الوطني طوال العام في إشارة إلى إنه يحظى بالبيع المستمر.

ورغم عدم وجود رقم كلي لحجم مبيعات العلم السعودي، لكن هناك أرقاما أخرى تشير إلى رواجه وعوائده الاقتصادية مثل تقرير الهيئة العامة للإحصاء في 2023، والتي أوضحت فيه أن متوسط بيع الأعلام في الأوقات العادية يصل إلى 1000 ريال يوميًا فيما يبلغ في الأعياد والمواسم الوطنية خاصة يوم العلم 4 آلاف ريال بارتفاع 400% وذلك نتيجة إقبال المواطنين على الشراء والاحتفال بهذا العيد الوطني، ليس فهذا فحسب فوفقا للتقرير هناك منتجات أخرى تتأثر بالإيجاب أيضًا مثل القرطاسيات والشارات والإكسسوارات النسائية التي تكتسي باللون الأخضر، إذ ترتفع مبيعاتها هي الأخرى إلى أكثر من 300% في الفترة نفسها.

ولأن لكل صناعة قوانين تحكمها وعقوبات تردع المخالفين فإن ذلك ينطبق على العلم الوطني، فبحسب المادة العشرين من نظام العلم هناك عقوبات لمن يسيء استخدامه، وقد أوضحت اللائحة أشكال تلك الإساءة مثل استخدامه في أغراض دعاية تجارية أو كعلامة تجارية، أو استخدامه كأداة لربط أو حمل شيء ما، أو رفع الراية ووضعها على أجساد الحيوانات وغير ذلك، وتصل العقوبة إلى الحبس لمدة عام مع دفع 3 آلاف ريال غرامة.

بجانب تلك الصناعة المتكاملة للعلم الوطني والتي بات لها روادها وتجارها الذين يحققون مكاسب مالية ضخمة، يبقى المعنى الأغلى في تلك الراية أنها تجسد الملاذ الآمن لكل سعودي في شتى أنحاء العالم، فيكفي أن يراها لكي يطمئن قلبه وأن يشاهدها ترفرف ليبتسم ويستمد منها شموخه إذ أنها الراية الوحيدة في العالم التي لم تنكس لأكثر من 3 قرون.

الأكثر قراءة