الاقتصاد الأمريكي على المفترق

"عدم اليقين يحيط بالاقتصاد الأمريكي من السياسات الحالية"

جيروم بأول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

 

مهما كانت الانتقادات التي توجهها الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترمب، إلى الإدارة السابقة من الجهة الاقتصادية، فإن الاقتصاد الأمريكي حقق أسرع نمو في العام الماضي مقارنة بكل دول مجموعة السبع. من الطبيعي أن توجه الإدارات والحكومات حول العالم الانتقادات بهذا الخصوص لمن سبقها. فحكومة العمال الحالية في بريطانيا (مثلاً) لم تترك مناسبة إلا وحملت حكومة المحافظين السابقة مسؤولية الاضطراب الاقتصادي، والعجز في الموازنة العامة، والتسيب في الإنفاق، والفشل في مشروعات مختلفة، إلى آخر الانتقادات التي تسعى من ورائها لتخفيف الضغط الشعبي عليها. الأمر طبيعي، دون أن ننسى، أن بعض ما يقال في هذا الصدد يتسم بالمبالغة والتضخيم، لحصد "عوائد" سياسة على الأقل في الأشهر الأولى لأي إدارة أو حكومة.

كل الجهات تراقب الآن الحراك الاقتصادي الأمريكي في ظل التغييرات الهائلة التي يحدثها الرئيس ترمب، بما في ذلك زيادة التعريفات الجمركية، وإعادة صياغة أداء معظم المؤسسات الفيدرالية، عبر حملة ما أصبح يعرف بـ"الكفاءة الحكومية"، و "ترشيد" الإنفاق، وغير ذلك من إجراءات ستعيد حتماً صياغة المشهد الاقتصادي العام في البلاد. المسألة الأكثر إلحاحاً التي تشغل المشرعين الأمريكيين في "الاحتياطي الفيدرالي"، هي مصير النمو هذا العام، وطبيعة التعاطي معه من خلال معدلات الفائدة المرتبطة مباشر بمؤشرات التضخم. لكن رئيس "الاحتياطي" باول لا زال يعتقد بأن الاقتصاد المحلي في وضع جيد، بيل ينمو بوتيرة قوية. لكن المخاوف تكمن في التأثيرات التي ستظهر لاحقاً ولا سيما في النصف الأول من العام الحالي.

الرئيس الأمريكي المتلهف لزيادة التعريفات الجمركية، على "الحلفاء" وغيرهم، يعترف بأن الرسوم الجمركية قد تؤدي لاضطرابات، إلا أن الإمكانية حاضرة لوصول الركود التضخمي المرعب. فالسياسات الحالية التي ينتهجها البيت الأبيض، لا تؤدي إلى ارتفاع التضخم فحسب، بل وتراجع النمو أيضاً، ما يضع المشرعين في موقف صعب، خصوصاً في مراجعتهم المقبلة لمستويات تكاليف الاقتراض. حتى أن "الاحتياطي الفيدرالي" في أتلانتا، يتوقع انكماشاً للاقتصاد بنسبة 1.5٪ في الربع الأول من العام الجاري! لماذا؟ لأن إنفاق المستهلكين جاء أقل من المتوقع في يناير الماضي. التغييرات التي تحدث حالياً، ستؤثر بالضرورة على السياسة النقدية، التي يحاول المشرعون منذ العام الماضي تخفيفها، أملاً بالحفاظ على مستويات نمو مقبولة وأكثر استدامة.

في الأسابيع الماضية، شهدت الساحة الأمريكية قيام مستثمرون بالتخلص من الأسهم، والتوجه لشراء السندات، وهذا يعود أساساً إلى الخوف من وصول الركود التضخمي إلى الميدان، خصوصاً إذا ما تكرست وتيرة ارتفاع الأسعار، وبدء النمو في التباطؤ. حتى الآن، ليس هناك حاجة لتعديل أسعار الفائدة، إلا أن ذلك ليس مضموناً في الأسابيع المقبلة، حيث يستعد "الفيدرالي" لتقرير مصيرها في يونيو المقبل. كل ما يتمناه هذا الأخير أن تتضح الصورة تماماً، قبل هذا الموعد. فقد كان يعتزم أن يخفض تكاليف الاقتراض بنسبة 0.75٪ خلال العام الحالي، ولكن أذا لم تجر الأمور بصورة جيدة، فلن يتردد في رفعها، لتجنب التضخم الذي ساد العالم أجمع طوال عامين تقريباً.

التغييرات التي تقوم بها إدارة ترمب، تضع الاقتصاد على مفترق طرق. إذا تم الإبقاء على الرسوم الجمركية الجديدة، فهذا سيشكل عبأً على النمو في المدى الطويل، الأمر الذي يرجح الاقتراب أكثر من حالة الركود التضخمي. لكن البيت الأبيض يصر على أن التأثيرات السلبية ستكون قصيرة الأجل للتعريفات الجمركية، وسيتم تعويضها بـ"الفوائد" طويلة الأجل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي